المداخل والتيارات والاتجاهات الجديدة في التغطية الإخبارية
سيف الدين حسن العوض كلية الاعلام – جامعة أمدرمان الإسلامية – السودان
الصحافة الجديدة او الصحافة الادبية
مدخل:
لقد أدت الضغوط التي تعرضت لها الموضوعية والتطور التكنولوجي الهائل الذي رافق ثورة الاتصال والمعلوماتية بجانب منافسة الوسائل الاتصالية الإلكترونية من شبكات إخبارية ومحطات الإذاعة و التلفزيون و المجلات للجريدة مما اصبح فى متناول الجمهور الحصول على الأخبار من مصادر مختلفة تمكنه من أن يوازن و يفاضل ويختار و إلى تغيير عاداته و بالتالي إلى ضعف المقروئية । كل هذه العوامل أدت مجتمعة إلى ظهور بدائل جديدة و إتجاهات مغايرة فى التغطية الأخبارية.وقد دفعت هذه العوامل أيضا وسائل الإعلام المختلفة عامة و الصحف بصورة أخص إلى البحث الجاد عن افضل السبل و الأساليب للوصول إلى الجمهور العام ,و هذه غاية كل وسيلة إعلامية ناجحة.إن تطور عملية التغطية الاخبارية و تعدد أساليبها أدى إلى بروز مصطلح "تكوين الأخبار News Making “ وما يطلق عليه في ادبيات الإعلام "صناعة الأخبار News Industry” وهو مصطلح يشير الي حجم التغطية الإخبارية الهائل، والي تصنيع الأحداث وتوزيعها عبر الوسائل الإخبارية المقروءة والمسموعة والمرئية بعد إخضاع الأخبار التي يبرقها المراسلون الي عملية تكرير يخرج الخبر منها علي شكل مادة خبرية مصنعة تحمل بصمات هذه الصحيفة أو تلك الوسيلة الإخبارية)[1] ويشير د. حمدي حسن أن الاتجاهات الجديدة والمداخل الجديدة في التغطية الإخبارية لم تتبلور بشكل كامل (ألا إنها تركت تأثيرات خامة علي التغطية الإخبارية في المجتمعات الغربية، وهذه الاتجاهات هي الصحافة الجديدة (New Journalism) والصحافة المرافعة Advocacy)) والصحافة المعادية (Adversary) والصحافة الاستقصائية (Investigative) والصحافة الدقيقة (Precision), اخيراً الصحافة التسويقية أو المدخل التسويقي في التغطية الإخبارية (Marketing). وتستخدم هذه المداخل في الصحافة والإذاعة علي السواء، إلا أن اللوائح والنظم الحكومية التي تتعرض لها الإذاعة في كل أنحاء العالم تجعل من الصعب إستخدامها كلية في التغطية الإخبارية الإذاعية)[2] إن تشابك العوامل الداخلة في صناعة الأخبار وتعدد أساليب إعداد الخبر ونشره، قدي أدي بدوره الي تعدد أنواع الصحافة، فلم تعد هناك صحافة واحدة تقليدية تتولي معالجة الأحداث والظواهر والمواقف بالشكل التقليدي الذي ألفناه منذ زمن، بل هناك اليوم صحافات متنوعة تسعي كل واحدة منها الي التخصص والتميز في ميدان المنافسة علي تقديم المعلومات الي المتلقي. ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه الصحافات السائدة في عالم اليوم:[3] 1. الصحافة البديلة:Alternative Journalismوينهض بها الصحفيون المحترفون الذين يقاومون سيطرة الشركات الإعلامية الكبري التي تسعي لفرض إسلوبها في التعامل مع الأحداث وطريقة معالجتها الخاصة التي تنبع من سياستها الإخبارية. 2. صحافة الثقافة المقابلة:Counter Culture Journalism ومن رعاتها والقائمين بها، الشباب الذي يرفض أساليب الصحافة التقليدية ويتوق إلي بديل يلبي أذواق الشباب وحاجاتهم. 3. صحافة الدقة:Precision Journalismويتبني هذا النوع الصحفيون الأكاديميون الذين يسعون إلى ترسيخ مفهوم "علم التحقيق الصحفي) "فن التغطية الاستقصائية" فضلاً عن إعتمادهم الفن والتجديد. هؤلاء يعّرفون الصحافة بأنها "الدقة، الدقة ثم الدقة. 4. صحافة الرأي أو الصحافة المعادية:Advocacy Journalismوهي الصحافة التي تكرس أقلام كتابها وصحفيها لوجهات نظر معينه وقضايا خاصة تناسب إتجاهاتهم. 5. الصحافة الجديدة: New Journalism وقد أطلق هذا النوع علي تلك الصحافة التي أدخلها في الستينيات عدد من الكتاب والصحفيين وبعض الروائيين الذين أخذوا يعالجون الأحداث بدقة أكثر معتمدين التدوين البلاغي في صياغة تقاريرهم وأخبارهم. وقد شجع هذا النوع من الصحافة علي ظهور تجارب جديدة في الكتابة الصحفية تتسم بالمهارة الأدبية. 6. صحافة المحترفين Journalism Reviews: وتعبر هذه الصحافة عن عدم رضا المحترفين من الصحفيين والكتاب عن أداء وسائل الإعلام وتدعو الي الارتقاء بالمعالجات الصحفية بما ينسجم مع أخلاقيات المهنة (Media Ethics) ومستوي الاحتراف الصحفي. 7. صحافة دفتر الصكوك Cheque-book Journalismوتمثل هذه الصحافة إتجاهاً حديثاً يقوم علي شراء موضوعات وقصص ومغامرات من القائمين بها ونشرها عي حلقات مثيرة. 8. صحافة القفز بالمظلات: Parachute Journalismهذا النوع من الصحافة يلاحق الأحداث الساخنة أولا بأول بغية إطلاع الجمهور علي طبيعتها وتطوراتها، وهذه صحافة انتقائية تلاحق الأحداث التي تثير اهتمام الجمهور وتصلح أن تكون حديث مائدة الإفطار. 9. صحافة وكالات الأنباء: Agencies Journalismوتتميز هذه الصحافة بإعداد أخبار موسعة تلبي حاجة وسائل الإعلام المختلفة وتعتمد السرعة والجري وراء السبق الصحفي والمقدمات الموجزة (summary Leads) التي تهدف الي اطلاع الجمهور علي جوهر الحدث حال وقوعه ثم بثه كاملاً في مرحلة لاحقة. 10. صحافة الإثارة: Sensational Journalism ويتعامل هذا النوع من الصحافة مع الأحداث باسلوب مثير يضخم الأحداث ويلّون الموضوعات والحقائق ويري في الفضائح مادة تستهوي قطاعات واسعة من الجمهور العام.
ويلاحظ الباحث أن هذه الأنواع العديدة من الصحافات تدخل أغلبها ضمن التصنيف الذي قدمه كلاً من د. حمدي حسن والدكتور محمود علم الدين عن المداخل و التيارات الجديدة فى التغطية الإخبارية، وسوف يتناول الباحث المداخل و التيارات والاتجاهات الجديدة للتغطية الإخبارية وفق التصنيف التالي:-
اولا: الصحافة الجديدة أو الادبية New Journalism ثانيا: الصحافة الدقيقة أو الدقه (أو صحافة التحديد ) Precision Journalismثالثاً: تيار صحافة الخدمات Services Journalism رابعاً: الصحافة التسويقية Marketing Journalismأولاً: الصحافة الجديدة أو الأدبية: New Journalism ظهر ما يعرف بإسم (الصحافة الجديدة) خلال الستينيات وأوائل السبعينيات (وذلك عندما تحدي كثير من الشباب الوضع القائم إجتماعياً وسياسياً وخرجوا في حركات للحقوق المدينة وحقوق المرأة والبيئة وعملوا علي وضع حد لحرب فيتنام وساهموا في الحد من الأسلحة النووية)[4] ومع أن احداً لم يحدد تعريفاً دقيقاً للصحافة الجديدة إلا أن إسلوبها أكد علي دور الدفاع عن القضايا ووجهة النظر الشخصية والخبرة الشخصية. وكانت إحدى مدارس الصحافة الجديدة بقيادة شخصيات مثل هنتر اندتوميسون وثرومان كابوت. وقد عملت هذه المدرسة علي إضعاف الحد الفاصل بين كتابة التقارير الإخبارية والكتابة الإبداعية، فقد …….. تقارير تومبسون عن الحملات الانتخابية بين الناس الحقيقيين والأحداث الحقيقية بدون تمييز وبين الأحداث المختلفة. كما أن كابوت حولَ الوقائع المجردة لحادثة قتل الي رواية بلغت حد الكمال.[5]ما هي الصحافة الجديدة؟: يعرف دكتور محمود علم الدين الصحافة الجديدة بأنها تيار صحفي جديد، تضمن منهجاً جديداً في التفكير وإسلوباً مختلفاً في التعبير وتعديلاً في أنماط الاتصال الصحفي التقليدية، وأبرز ما إتسم به هذا التيار الصحفي الجديد حيث الشكل والمضمون[6]1. إنه يختلف عن معظم الممارسات التقليدية لوسائل الاتصال، حيث اتي كرد فعل لحاجات الجمهور الجديدة لأشكال صحفية مستحدثة في مواجهة الأشكال الاتصالية الجديدة خاصة ما أفرزته وسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة، وكرفض للأفكار التي تعتنقها الجرائد التقليدية عن الأخبار المتوازنة والموضوعية والاستخدام التقليدي لمصادر الأخبار.2. إنه إمتداد لصحافة التنقيب عن الفساد في القرن العشرين والقرن التاسع عشر وصحافة المنشورات السياسية في القرن الثامن عشر وصحافة الخبر المتميز في القرن السابع عشر، ويسمح هذا التيار للمحرر ويشجعه علي إستخدام مدخل أكثر إبداعاً في تغطيته ويمكّنه من اللجوء الي الاسلوب السردي الروائي ويعطي له وظيفة الملاحظ المنغمس في الحدث.३
. إنه يقوم علي فكرة مارشال مالكوهان Marshal Mc Luhan التي تقول أن الشكل يسبق المحتوي وأن الوسيلة هي الرسالة ومشاركة هذا التيار والإضافة الحقيقية لهذا التيار تكمن في الاسلوب، فهو يستغل المضمون الصحفي وينشره في إسلوب روائي، ويجمع بين الحقيقة الموضوعية للصحافة والحقيقة الذاتية للصحفي أو الكاتب، أو هو رواية تعتمد علي إسلوب التقرير وتسعي الي حقيقة أضخم من خلال جمع الحقائق والأقوال المقتبسة وعرضها بشكل إنطباعي، وكما وصفه البعض "بأنه شكل جديد من اللا قصة يستعمل أساليب القصة".4. إنه نوع من التغطية الصحفية الإخبارية التي تعرض الأحداث بشكل يجلب معه جوانب إنطباعية تعبيرية مثل صورة، صوت، مشاعر الحدث، خلفيات الحقائق ويربطها مقارنة بحقائق أخري من التاريخ والمجتمع والأدب في إسلوب فني يعطي عمقاً وبعداً أكبر للحقائق.5. إنه لا يستنكر التحيز الواضح ووضع الرأي في الأعمدة الإخبارية.أسباب إزدهار الصحافة الجديدة: يشير د. حمدي حسن الي أن هذا المدخل في التغطية الإخبارية لم يحظ بإهتمام كبير من ناحية الجمهور، رغم أنه ساهم في تعديل التعريفات السائدة للخبر وأساليب تحريره، ويضيف وقد تولد هذا المدخل من ثلاثة مصادر:[7] أ/ الصحفيون في الصحف والمجلات الذين أحسوا بالقيود التي تفرضها أساليب التحرير الصحفي التقليدية مثل الهرم المقلوب علي المعالجات الإخبارية للأحداث. ب/ الشخصيات الأدبية خاصة الروائيين الذين أرادوا التعبير بشكل مباشر عن سخط وإستياء الناس. ج/ الإذاعيون الاخباريون الذين رغبوا في إكتشاف مصادر اخبارية ولغة إخبارية أقل تقليدية. د/ ويضيف دكتور محمود علم الدين الي أن ظهور الحاسبات الإلكترونية والنشر المكتبي والطباعة الأوفست المتطورة وإستخدامها بشكل واسع كان مؤشراً مهماً علي الصحافة الجديدة، فقد أصبح ممكناً وبسعر رخيص إنتاج جريدة بدون حاجة الي إستثمارات ضخمة في معدات جمع الحروف ومطابعها‘ وإستطاع الطابع الفرد إنتاج عشرات من الجرائد الصغيرة وأمكن للجريدة البديلة أو السرية أن تطبع بسرعة وبتكاليف محدودة كما سمح إستعمال طابعات الاوفست باستخدام خطوط اليد والرسوم اليدوية الاخري الي جانب المتن بدون نفقات إعداد كليشيهات باهظة مما أتاح للفنانين أصحاب مذهب السايكويلك (psychodelic) الاندماج مع الصحفيين الجدد[8]مظاهر الصحافة الجديدة:
نجد أن الكثيرين من الصحفيين بدأوا تجربة إستخدام أساليب جديدة في التغطية الاخبارية ومنها:[9] × إستخدام عبارات وصفات كثيرة لوصف مواقع الاحداث لاعطاء القارئ إحساساً بوجوده في هذه المواقع. × إستخدام مساحات أكبر من الحوار لابراز جوهر لغة الشخص الذي يتحدث الي وسائل الاعلام بدلاً من إستخدام إقتباسات قليلة جداً تم إعدادها. × السماح لاتجاهات وقيم مصادرهم بالسيطرة علي الخبر بدلاً من فصل وجهات النظر عن محتوي الخبر. × الاهتمام بمشاعر مصادر الاخبار ومايدور داخلهم من حوادث. × بدلاً من الاقتباس من كل الاشخاص فانهم أوجدوا شخصية مركبة تمثل كل هؤلاء الناس.وقد إقتبس هؤلاء الصحفيون هذه الاساليب من كتاب الروايات ويرون أن هذه الاساليب تجعلهم اقدر علي تقديم تقارير إخبارية دقيقة وغنية. ولتحقيق ذلك فانهم تحولوا الي الاهتمام بالشخصيات والمشاهير وثقافة الشباب واحداث العنف والمظاهرات المضادة للحروب والتقارير الاجتماعية والسياسية العامة. وقد ظهرت هذه الاساليب اولاً في المجلات الا إنها ومنذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي بدأت تجد طريقها الي الصحف خاصة في مجال التحقيقات والخلفيات التفسيرية وأخيراً وجدت طريقها الي الاذاعة.الصحافة الجديدة والصحافة الادبية: يذكر واي لان. جي. تو أن اصطلاح (الصحافة الجديدة يعد توأماً لاصطلاح آخر هو "الصحافة الادبية" والني يمكنها ان تعود به في الغرب " وتحديداً في الولايات المتحدة) الي الثلاثينيات من القرن الماضي. ففي عام 1937 قام ادوين .هـ. فورد بتجميع بيلوجرافيا للصحافة الادبية[10] وعرف فورد "اصطلاح الصحافة الادبية) علي انه الكتابات التي تقع داخل المنطقة التي تفصل الادب عن الصحافة. فالصحفي الادبي هو همزة الوصل بين الصحافة والادب. والصحفي يجمع الاخبار التي تبين التيارات السياسية والاجتماعية. ثم يقوم كاتب الافتتاحيات بالتعليق علي مثل هذه الاخبار ولكن داخل نطاق محدد. وعندما تترسخ هذه التيارات السياسية والاجتماعية أو هذه المواقف بدرجة كافية في أفكار ومشاعر الناس بصفة عامة فإنها تكون بمثابة المادة التي يستقي منها الفنان أدبه. ومن خلال الصور الوصفية الادبية أو المقال أو العمود الادبي أو العمود الساخر، ومن خلال القصائد أو التعليقات النقدية فإن الصحفي الادبي يعيد تشكيل وتقييم العالم من حوله. والصحفي الادبي، إذن هو ذلك الكاتب الذي يملك حاسة صحفية كافية لرصد المظاهر سريعة التغيير في الحقبة الديناميكية من العصور التي نعيشها كما أنه يملك في نفس الوقت حاسة أدبية تكفي لجمع وصياغة مادته بعين الفنان ويده[11] وبالنسبة للوقت الحاضر كما يشير واي. لان. جي. تو فان اصطلاح الصحافة الادبية يشير الي الاسلوب الصحفي الذي يجمع بين مهارات التغطية الاخبارية التفسيرية باستخدام تكنيك الكتابة القصصية. وقد تكون الصحافة الادبية علي شكل تحقيق صحفي، أو مقال في مجلة، أو كتاب الا أن وظائفها الرئيسية تظل هي: الاعلام والترفيه والتثقيف. ومع ذلك فإن الكاتب يتمتع هنا بهامش أوسع من الحرية في إستخدام الاسلوب وفي عرض مادته، وكنتيجة لذلك تصبح الكتابة أكثر إمتاعاً والقراءة أشد تشويقاً[12]والصحافة الادبية مثلها الصحافة الجديدة لم يعرفها النقاد فقد أدرك الكتاب انفسهم أن كتاباتهم تحتاج الي الاستعراض في التفكير (اسابيع أو شهور وربما سنوات في البحث) وتحتاج أيضاً الي بنية (وذلك باستخدام تكتيك القصص في البناء القائم علي منظر اثر منظر ووجهة النظر وأحياناً تستخدم المونولوج الداخلي للشخصيات والوصف الحي مثل طريقة اللبس وطريقة السلوك بالنسبة للشخصيات وتفاصيل الأشياء في البيئة المحيطة) بجانب صوت خاص ودقة فائقة[13] يقول نورمان سيمز في كتابه (مختارات الصحفيون الادبيون) ان صيغة الصحفي الأدبي تتطلب: الاستغراق والبنية والصوت والدقة فما المقصود من هذه المتطلبات؟ 1. الاستغراق: يعني به الاستغراق خلال البحث في القصة الأخبارية قان الصحفي الأدبي يصبح بالتدريج مستغرقاً فيما يعمل فيه وذلك لكي يضع كل شئ في منظوره الصحيح ولكي يكون دقيقاً قدر الإمكان. ولكي يستغرق في موضوعه علي هذا النحو فان الصحفي الأدبي يحتاج الي ان يقضي اسابيع أو شهوراً وربما سنوات في البحث، ويتوقف ذلك علي ما اذا كان الكاتب يعد لكتابة مقاله او تأليف كتاب. وعلي سبيل المثال فقد امضي جون ميلز خمسة شهور في التجوال في أماكن خطرة في نيويورك بصحبة احد المخبرين السريين لكي يكتب عن حياته في "المخبر السر". وقضي نورمان كابوت خمسة سنوات في التحقيق في قضية قتل وقعت في كانساس كي يبعث الاحداث من جديد في كتابه "مع موسيقي الاحرار" وهكذا2. البنية: بينما نلاحظ أن بنية الصحافة تعد زمينة في العادة فان الصحافة الادبية تكتسب في معظم الاحيان شكلاً أكثر تعقيداً يقترب بها من القصة القصيرة او الرواية السردية ويلخص توم وولف الصحافة الادبية ( أو الصحافة الجديدة حسب اصطلاح وولف) بانها استخدام تكتيك القصص في البناء القائم علي منظر اثر منظر والحوار ووجهة النظر، وأحياناً تستخدم المونولوج الداخلي للشخصيات، والوصف الحي مثل طريقة اللبس وطريقة السلوك بالنسبة للشخصيات، وتفاصيل الاشياء في البيئة المحيطة. وفي هذه الحالة فان قدرة عين الصحفي علي التقاط التفاصيل وقوة الملاحظة واساليب اللقاءات والمهارات اللغوية تعد بمثابة متطلبات اساسية.3. الصوت: لعله المظهر الاكثر إثارة للجدل في الصحافة الادبية وذلك نظر لان معظم الكتابات في الصحافة الادبية ذاتية وتفسيرية بطبيعتها، وتتجه نحو النقد، بينما تقرن الصحافة التقليدية في العالم الاول نفسها بالموضوعية. أما في العالم الثاني والثالث فنجد ان صوت الصحفي او القصاص او الراوي هي المظهر الاشد اهمية لوسائل الاعلام لان المعلومة ووجهة النظر تساعد القارئي علي فهم بيئته المعقدة الدائمة التغيير. 4. الدقة: لعل الاختلاف الرئيسي بين الصحافة الادبية والقصص الروائية يكمن في ان الصحافة الادبية تقدم الحقيقة باستخدام تكتيك الكتابة الروائية. وهذا لا يعن ان الحقائق ممكن اختلاقها. والمعيار هو الدقة. ويستطيع الصحفي ان ستخدم خياله لدي تقديمه او تحليله للحقائق. وهذا لا ينطبق علي اختلاق الوقائع او استغلال الحرية الادبية في ليّ عنق الحقائق حتي تناسب الغرض الذي يهدف اليه الصحفي. وفي هذا الجانب نجد ان الدفتر او جهاز التسجيل ينطويان علي اهمية بالغة بالنسبة للصحفي. ولدي اعادة بناء المناظر والاحداث والحوارات التي تدلي بها الشخصيات.. يجد الصحفي الادبي او الجديد ان لزاماً عليه ان يكون دقيقاً للغاية وأن يعيد التأكد من المذكرات التي دونها او الاشرطة التي سجلها.إتجاهات ومدارس الصحافة الجديدة: يري د. حمدي حسن ان الصحافة المرافعة والبديلة الصحافة المعادية هي اتجاهات وتيارات جديدة قائمة بذاتها في التغطية الاخبارية الا ان الباحث يتفق مع د. محمود علم الدين الذي يذهب الي انها اتجاهات او مدارس صحفية تدخل ضمن تيار الصحافة الجديدة. ويضم تيار الصحافة الجديدة عدة اتجاهات او مدارس صحفية حصرها د. محمود علم الدين في اربعة اتجاهات الا ان الباحث يضيف اليها اتجاه خامس هو صحافة الجونزو ويمكن للباحث ان يتناول هذه الاتجاهات بالتفصيل كما يلي: 1. اتجاه اللا رواية الجديدة New non fiction 2. اتجاه الصحافة البديلة Alternative Journalism 3. اتجاه الصحافة المرافعة او المتحيزة Advocacy Journalism 4. اتجاه الصحافة المعادية او السرية Underground or Adversary Journalism 5. اتجاه صحافة الجونزو Gonzo Journalism (1) اتجاه اللا رواية الجديدة New nonfiction (وسميت بالربيورتاج او الصحافة الموازية (Para journalism) وظهرت علي صفحات الصحف (جرائد ومجلات) من خلال الاعمدة الصحفية ومقالات المعالم وبعض الكتب، وعالج محتواها قضايا إجتماعية ومشاعر شخصية وأحداث جماهيرية[14] وعلي سبيل المثال فان البداية القصصية هي واحدة من حيل عديدة تستخدم للاستحواذ علي اهتمام القاريئ عن طريق قصة تصور له الشخصية التي ستجري المقابلة معها وتصف سلوكياتها علي ان اسلوب بناء القصة في الصحافة الجديدة سوف يكون موضوعياً أي منصب علي الموضوع أو في شكل الاسترجاعات (Flash back) أو السرد أو حتي تدفق تيار الوعي (كما نجده في معظم أعمال هنير تومبسون) وايضاً عن طريق استخدام الحيل السردية مثل الاتباط ،التقابل ،السرد الموازي ويستطيع الكاتب الصحفي هنا ان يعطي تفسيراً إجتماعياً بل وسياسياً ايضاً للافكار والاحداث[15](2) اتجاه الصحافة البديلة Alternative Journalismوهو الاتجاه الذي بادرت به عدد من الصحف والمجلات الصغيرة في الخمسينيات، حينما ابتعدت عن الاعتماد بالكامل عن المصادر والاقتراب من اتجاه الثقة بالمخبر فنشرت اخباراً بدت وكأنها اقرب الي الحقيقة اكثر من العديد من القصص الاخبارية التي نشرتها الصحف التجارية. لقد ادرك مخبر (الصحافة البديلة) ما عناه "موري كامبتون" المخبر والكاتب السياسي المعروف حين قال: "ان احد الاخطاء الكبري التي يقترفها الاسخاص الذين يكتبون للصحف، هي انهم يفترضون ان المشاركين الذين يتحدثون اليهم كمخبرين يقولون لهم الحقيقة.[16] والصحافة البديلة هي احد اساليب الصحافة الجديدة وهي طراز جديد من الصحافة الامريكية ذهب الي ما هو ابعد من مدرسة "س وماذا – اين ولماذا" الصحفية القديمة وتوصل الي تقديم المعلومات الخلفية الاساسية والجوهرية والضرورية للتفسير المتماسك والمناسب[17]وتتطلب الصحافة البديلة كما يذكر روني ووغر صاحب صحيفة اوستن 0الغوص الي ما هو اعمق من البشرة السطحية الخارجية المرئية من المظاهر الديمقراطية والي الوصول الي الطبقة العميقة الباطنية والمعقدة حيث العظم والنخاع تلك الطريقة تؤكد باستمرار انها مدهشة وفاتنة وجذابه. (وتسمي ايضاً بصحافة التنقيب عن الفساد الحديثه أو التغطية الاستقصائية ويركز محتواها علي التحقيقات الصحفية التي تكشف الاعمال الفاسدة في منظمات الحكومه وتهاجم صحافة المؤسسات[18](3) اتجاه الصحافة المدافعة أو المتحيزة Advocacy Journalismوكما هو واضح من الاسم فان هذا الاتجاه يخالف الصحافة التقليدية المحايدة أو الموضوعية، فهو من البداية يتبني وجهة نظر حيال قضية أو موقف. والتقارير من هذا النوع خليط من الاخبار والرأي ووجهة النظر وهي تظخر في اعمدة الاخبار وليس في اعمدة الرأي. وفي الغالب تهتم به المجلات ومحطات الاذاعة. وقد تحقق لهذا الاتجاه نجاح باهر فيما قدمته شبكة ABC من معالجات اخبارية لظروف واوضاع مستشفيات الامراض العقلية والقضايا ذات التأثير علي الاقليات والفقراء[19] وترفض الصحافة المرافعة مبدأ الموضوعية التقليدية وتركز علي قضايا الجماهير والسياسات واساليب التغير الاجتماعي ويتم ممارستها من خلال بعض الاعمدة الصحفية وموضوعات المعالم في الجرائد والمجلات. الا ان كثيراً من دراسات الصحافة اظهرت ان هذا الاتجاه في المعالجات الاخبارية لا يحظي باهتمام وإعجاب واسع ومن ثم فهو لا يظهر كثيراً في أعمدة الاخبار إذ أن المصدر الاخير للارتياب ازاء الصحافة هو اتهامها بالتحيز والتحريف.(4) اتجاه الصحافة المعادية أو السرية Underground Journalismوتعالج قضاياها من رؤية متطرفة عنيفة، رافضة مختلفة، معبرة عن ثقافات مضادة لثقافات المجتمع التقليدية وعادة ما ترتكز في بعض الصحف غير الجماهيرية أو قليلة التوزيع في المناطق الحضرية وفي الجامعات والمدارس العليا (الثانوية)، القواعد العسكرية وقد قل انتشار هذا التيار مع نقير دوافع ظهوره وبواعثه فقد شهدت السبعينيات مناخاً سياسياً واقتصادياً وفكرياً وثقافياً وعلمياً مختلفاً افرز صحافة مختلفة ولكن بقيت بعض آثار لهذا التيار الصحفي المتميز[20] وتنشأ الصحافة المعادية دائما حينما يستبعد الصحفيين من تغطية حدث كما حجث في جزيرة غرينادا في البحر الكاريبي حيث قهرت القوات الامريكية قوة صغيرة من القوات الغرينادية والكوبية وسجنت قادة الحكومة الرادبكالية وقامت باجلاء الطلاب الامريكيين الذين كانوا يدرسون في كلية الطب. وقد منع الصحفيون والمراسلون من دخول الجزيرة طوال الساعات الستين الاولي لعملية الغزو وأما اولئك الذين غامروا بالذهاب الي هناك من تلقاء انفسهم فقد وضعتهم القوات الامريكية في الحبس الانفرادي. ومن هنا ظهر ونشأ نوع جديد من الصحافة عرف بالصحافة المعادية وهي صحافة تسعي دائماً لنقل الاشياء التي من شأنها تعكير صفو الوضع[21](5) صحافة الجونزو Gonzo Journalism هي من اختراع هنتر تومبسون احد رواد الصحافة الجديدة وهي عبارة عن اسلوب الكتابة مغعم بالتفسير والرؤية الشخصية في تيار الصحافة الجديدة، فقد مزج تومبسون بين الحقائق والخيال وخلق ما يسمي بصحافة الجونزو وكانت مقالاته الساخرة عن الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة في عام 1972 ذكية ومسلية ولكنها كانت مدمرة من الناحية السياسية للمرشحين عندما ظهرت في كتابه "حصاة متدحرجة" في ذلك الوقت[22] ويشير ديفيد اس. برودر الي ان التلفزيون خاض معركة حامية للتخلص من شكل منحرف وردي من الاخبار التي اطلق عليها اسم "دوكيودراما" ةالتي كانت تقدم من قبل الاقسام المتخصصه بالبرامج المسلية. وكانت هذه الاخبار تستند الي اناس حقيقيين واحداث حقيقية ولكنهم كانوا يطعموّنها بنتف من الحوارات والمشاهد والقصص المختلفة الخيالية وهي ترتكز علي شخصيات تاريخية وعلي ابطال معاصرين ورغم الانتقادات التي توجه الي هذا النوع من التسلية الا ان شبكات التلفزيون تقدم المزيد من الحلقات الجديدة منها الانها تشترط الا تؤدي العناصر المفرغة في قوالب روائية او خيالية الي تغيير او تشويه للتاريخ[23]خاتمة: ان الصحيفة اليومية لها جمهور كبير من القراء وتخدم اهدافاً عديدة، ويجب ان تفسح مكاناً لعديد من الاصوات والاساليب الجديدة المختلفة. ولكن لكي تستطيع القيام بالوظيفة الرئيسية للصحيفة الا وهي نقل الاخبار – فلابد من وضع المقاييس الصحفية الاساسية موضع التنفيذ في جميع دوائرها وبلا هوادة. فالاقاويل والاشاعات التي لا تخضع لاختبار صارم قبل نشرها لا تستطيع ان تعيش جنباً الي جنب مع الاخبار دون ان ترخص من قيمتها وقيمة الصحيفة ككل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق