الجمعة، 3 يناير 2014

قوانين الاتصال بين النظرية والتطبيق (2)

دعم التشريعات الخاصة بوسائل الإعلام

تعتبر اليونسكو أن المنطلق لأي استراتيجية طويلة الأجل ترمي إلى تأمين الاستقرار البنيوي لوسائل الإعلام يتمثل في قانون يضمن حرية التعبير. ويجب أن يرتكز أي قانون من هذا النوع على المعايير الدولية المناسبة لتعزيز تعددية وسائل الإعلام. وغالباً ما تكون القوانين الخاصة بوسائل الإعلام في البلدان التي تعيش أوضاع ما بعد النزاع إما غير موجودة أو قديمة. ولا بد بالتالي من إصلاح القوانين المتوافرة لتعزيز حرية الصحافة وتنوع الآراء ومبدأ الملكية. وكثيراً ما تدعو اليونسكو إلى إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم أنشطة البث تكون مكلَّفة بتخصيص موجات البث وبتولي الإجراءات اللازمة لمنح التراخيص. ولن تنعم وسائل الإعلام بالاستقلالية إلا إذا وجد سوق خاص حقيقي لوسائل الإعلام. وإلى جانب ذلك، فإن قدرة وسائل الإعلام على الاستمرار في عملها من الناحية الاقتصادية هي الضمانة الوحيدة التي تتيح للموظفين أن يعملوا في ظروف معقولة وأن يحصلوا على رواتب مقبولة، وهو أمر يسهم إلى حد كبير في ضمان امتثال العاملين في وسائل الإعلام لمبدأي الشفافية والنزاهة.
ويعاني سوق وسائل الإعلام من ضعف شديد في الكثير من المجتمعات التي تعيش أوضاع ما بعد النزاع. وغالباً ما يعمد أصحاب النفوذ بما في ذلك الأحزاب والفصائل والشركات إلى دعم وسائل الإعلام كي تدافع عن مصالحهم الخاصة. ويُعد دعم السوق الناشئ لوسائل الإعلام المطبوعة وهيئات البث الإذاعي خطوة بالغة الأهمية للمساعدة على توفير الدعم الاقتصادي لوسائل الإعلام الجديدة، وذلك بغية تمكينها من الحصول على ما تحتاج إليه من موارد مالية لمباشرة عملها، ومن خبرات مهنية، ومن معدات ومواد، وهي أمور قد يعجز الأشخاص الذين يفكرون في امتلاك وسيلة إعلامية أو الشروع في أعمال تحريرية أو إنتاجية عن تأمينها. ومن المهم جداً أيضاً تقييم الخيارات الموجودة أمام سوق وسائل الإعلام فيما يخص الاستمرارية التجارية والنمو، وتحديد المجالات التي تتيح فيها الاستثمارات الخاصة بالبحوث والتدريب تعزيز الاستمرارية التجارية ومزايا سوق وسائل الإعلام. ويتعين تشجيع الأوساط الإعلامية المحلية على مناقشة المعايير المهنية للصحافيين وتعزيزها، وعلى إقامة علاقات عمل مع رابطات إقليمية ودولية.
وينبغي أيضاً تشجيع رابطات الصحافيين المستقلين. وللحصول على مزيد من المعلومات بشأن الأنشطة المحددة التي تضطلع بها اليونسكو لدعم التشريعات الخاصة بوسائل الإعلام في المناطق التي تعيش أوضاع ما بعد النزاع في شتى أنحاء العالم، يُرجى الضغط على الروابط الموجودة أدناه. 

ملخص التشريعات الإعلامية 2012/2013


إعداد الطالب أحمد راشدي2012/2013 --- جامعة الجزائر 3 
ماجستير تشريعات اعلامية   عند الأستاذ علي قسايسية

الدرس الأول: مصطلحات
·       تعريف التشريع: هو مجموعة القوانين والنصوص التي تصدرها جهة مخولة دستوريا لتنظيم المجتمع ككل ،أو جزء منه.  وبهذا تكون التشريعات الإعلامية القواعد والنصوص التي  تصدرها جهة مخولة دستوريا لتنظيم قطاع الإعلام.
 الإعلام: هو نقل المعلومة من مرسل إلى متلقى عبر وسيلة مباشرة أو غير مباشرة، فيما يعتبر الإتصال هو نقل الرسالة من قائم بالإتصال إلى متلقي.
وكخلاصة يمكن القول أن الإعلام تبادل المعلومات والأفكار أما الإتصال فهو نقل المعلومة من المرسل للمتلقي.وبالتالي عملية الإتصال تهدف إلى الإعلام،أي أن  الإعلام وظيفة أساسية للإتصال. ويهدف المرسل من خلال إرسال الرسالة إلى إحداث تغيير وضعية المتلقي وحالته سواء كانت نفسية ،معرفية أو سلوكية.
·        الإعلام والدعاية: قد يخلط البعض بين الإعلام والدعاية  لكن الفرق بينهما يتجلى في :
ü     الإعلام هو معلومة خام ،أما الدعاية فهي معلومة موجهة.
ü     الإعلام نقل المعلومة فقط باعتبارها حاجة،أما الدعاية فغالبا تهدف إلى تبني فكرة.
·        نموذج لاسويل:
·        وضعه عالم السياسة الأمريكي (هارولد لاسويل )عام 1948 واستخدم بشكل كبير في الدراسات الإعلامية والاتصالية . وقد صاغ لاسويل نموذجه من خمس أسئلة (من , ماذا , بأي واسطة , لمن , و بأي تأثير ) و يعتبر هارولد لاسويل مؤسس (الطريقة الكمية لتحليل المضمون) .
·        يقول لاسويل إن الطريقة المناسبة لوصف عملية الاتصال وذلك بالإجابة على الأسئلة التالية :
 من يقول ؟      ـــــــــــــ◄     المرسل
 ماذا يقول ؟     ـــــــــــــ◄     الرسالة
 لمن يقول ؟      ـــــــــــــ◄    المستقبل

     بأي وسيلة أو قناة؟ ـــــــــــــ◄  الوسيلة
    ما التأثير؟     ـــــــــــــ◄      رجع الصدى
.


/////////////////////////////////////
الدرس الثاني :الإتصال في المجتمعات الحديثة
نقصد بالمجتمعات الحديثة مجتمعات الحداثة وما بعد الحداثة وهي ما يسمى المجتمعات الإلكترونية. ويوجد  عدة أشكال للإتصال في هذه المجتمعات :
1/ اتصال شخصي: ايميل ، هاتف .....
2/ اتصال جمعي: من شخص  لأكثر من شخص وهو نوعان:
أ‌-       جماعي: مع جماعة محدودة في الزمان والمكان.
ب‌-   جماهيري: مع عدد  غير معروف من الناس
" العملية الاتصالية في  سياق الإتصال الجماهيري هي التي  تطرح مشاكل قانونية."
 وبخصوص وسائل الإتصال الموجودة في المجتمعات الحديثة فيمكن تقسيمها لنوعين قديمة وحديثة:
القديمة  OLD MEDIA  ( مثل الصحافة المكتوبة، الإذاعة والتلفزيون )
الحديثة NEW MEDIA  (  وهي التي ظهرت  مع تشبيك العالم ومنها المدونات، الشبكات الإجتماعية مثل تويتر والفايسبووك و اليوتوب ).
·        الأنترنت INTERNET : INTER  وتعني  بين ،  NET  وتعني الشبكات. وتسمى أيضا الشبكة البينية. ظهرت في  السبعينيات للاستخدام العسكري في البداية ثم وجهت للاستعمال التجاري فيما بعد.
////////////////////////////////////
الدرس الثالث:
نعيش في عالم اليوم تطورا مذهلا في وسائل الإتصال الإلكترونية، وهو تطور انسحب على عادات ويوميات الجماهير  فنتج تحول اجتماعي كبير ، نتج عنه تطور المجتمعات فظهرت أشكال ثلاث نعيشها اليوم بفضل التطور التكنولوجي. وهي:
1-    المجتمع الواقعي  real society  : و يكون أطراف الإتصال 5 المرسل والمتلقي" حاضرين فيه ، في مكان وزمن معين.
2-    مجتمع افتراضي virtual society  ويكون فيه الإتصال عن طريق وسائل الإتصال الحديثة أو new media   حيث تغلبا في إطاره على عوائق الزمان والمكان  وتلاشت في هذا العالم حدودهما.-
3-    مجتمع خيالي imaginary society : وهو عالم غير موجود في الواقع كما يبدو من إسمه ، حيث  يمكن فيه لأي كان أن يتخيل وسائل جديدة لتبادل المعلومات.
·        الفضاء العمومي: الفضاء العمومي هو المجال المفتوح لعامة الناس بصرف النظر عن ذواتهم أو جنسهم أو لونهم، أي  يمكن أن نسمي فضاء عمومي كل  مكان لتبادل الآراء و الأفكار مثل المقاهي ، الحدائق العمومية ، المكتبات والنوادي ...إلخ. وجاء حديثنا عن الفضاء العمومي باعتبارأن تبادل المعلومات فيه أمر يطرح جملة من المشاكل التشريعية ، حيث  توجد خصوصيات للجمهور  فكما يقال " لكل مقام مقال وليس كل ما يعرف يقال" . وهذه الإشكاليات  قد  تكون في الشق  الخاص بمصدر المعلومة التي قد تعد  خصوصية أو سرية ،أو في  الجانب المتعلق بملكية وتوزيع المعلومة.  هذا الأمر جعل من الضرورة سن قواني تنظم العمل الإعلامي  وهو ما يسمى بالتشريعات الإعلامية.
·         تعريف التشريعات الإعلامية:  سبق وأن تحدثنا يف الدرس الأول عن تعريف التشريع  بأنه 0 مجموعة القوانين التي تصدرها جهة مخولة قانونية بهدف تنظيم المجتمع أو جزء منه، وبالتالي  فالتشريعات الإعلامي هي  نصوص  قانونية  تصدرها جهة مخولة دستوريا من أجل تنظيم قطاع الإعلام. وبالعودة لما سبق يمكن القول أن التشريعات الإعلامية هي مجموعة القواعد القانونية التي تنظم تداول المعلومة في الفضاء العمومي ابتداء من مصادر المعلومة و طبيعتها و الوسائل الإعلامية القديمة منها و الحديثة، و المتلقين. وبالتالي فهذه النصوص  تتعلق بعدد من العناصر من المصدر للجمهور للوسيلة وغيرها ، فيمكن عد عدد من القوانين:
-         قوانين تتناول المصدر كقوانين الأرشيف، و قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية.
-         قوانين متعلقة بوسائل الإعلام كالقانون التجاري و القانون الخاص بالمؤسسات العمومية الإقتصادية كما هو الحال في الجزائر .
-         قوانين تتعلق بطبيعة الرسالة مثل : قانون الإشهار، قانون سبر الآراء، القوانين المتعلقة بالملكية الفكرية .
-         قوانين تتعلق بممارسي المهنة: مثل القانون الأساسي statut الخاص بممارسي مهنة الإعلام أو الصحفيين، قانون العمل، المراسيم المحددة لحقوق وواجبات الصحفي كما هو الحال في الجزائر المرسوم الصادر سنة 2008. 
·        لكن مع ظهور التوجهات الحديثة للتشريعات الإعلامية هناك من يرى أنه  من الضروري أن  تضاف مواثيق الشرف الصحفي أو أخلاقيات المهنة الإعلامية له\ه النصوص القانونية،أولا كون من يصدرها هي جهة مخولة دستوريا فغالبا ما تصدرها جهة تشريعية،وثانيا معظم الدول الليبرالية تعتمد في تنظيم تداول المعلومة على هذه المدونات و المواثيق.  
////////////////////////////////////
الدرس الرابع:
·        مقدمة:
مستويات الخطاب:
 توجد ثلاث مستويات للخطاب بداية من الخطاب الفلسفي الذي يعطي محاولة لتفسير المتغيرات التي يعيش بها الإنسان مع الطبيعة أو ما خارج الطبيعة ( ما وراء المادة). فيما يوجد في المستوى الثالث الخطاب الأيديولوجي وهو الذي يحاول تفسير المتغيرات التي تحيط بحياة الإنسان من منطلق مصلحي للفئة التي تروج لهذه الأيديولوجية.
يمكن القول أن أي خطاب أيديولوجي باعتباره الخطاب الذي يحاول تفسير المتغيرات التي تحيط بحياة الإنسان من منطلق مصلحي للفئة التي تروج لهذه الأيديولوجية، يكون مرتكزا على  خطاب فلسفي  تتبناه جهة سياسية وتعمل على توجيهه وكسب مؤيدين له، وتستعين السياسة بالقوانين من أجل تحقيقه، ولغرض تنظم علاقات الأفراد فيما بينهم وبين السلطة وهو ما لا تشذ عنه التشريعات الإعلامية.
والخطاب الأيديولوجي  نوعان:
1-    عقائدي أو دوغماتي : تعطى فيه الأولوية للمبادئ على حساب المصالح ،كما هو الشأن في الشيوعية .
2-    المصلحي أو البراغماتي: وفيه تعطى الأولوية للمصالح أي هي التي تحدد المبادئ كما هو الحال في الليبرالية.
·        وكخلاصة لما سبق  يمكننا القول أن هناك في هذا السياق فلسفتين أولاهما الفلسفة الشمولية التي تعطي أولوية مطلقة للجماعة قبل الفرد والثانية الفلسفة الفردية التي تعطي أولوية للفرد باعتبار الجماعة هي مجموعة أفراد.
//////////////////////////////////
الدرس الخامس :الصراع الأيديولوجي ووسائل الإعلام
منذ ظهور الصحافة في القرن 15  وجدت نفسها في صراع أيديولوجي  بين الإتجاه الذي يمجد الفرد والآخر المعاكس له، حيث كان ظهورها في أوربا في مجتمع يقدس النظام السلطوي الذي يمجد الملك والكنيسة، وكان لزام عليها نشر المعلومات التي لا تتعارض مع المعتقدات الموجودة عند  من يملكون السلطة. لكن بعد إختراع الآلة الطابعة ظهرت أفكار جديدة يتم تداولها فيما يشبه الفضاء العمومي، وكانت تنشر الكثير من المعلومات والأفكار والآراء التي كان يعتقدها الحكام وحكمائهم. ولهذا عمل هؤلاء على وضع مجموعة من القوانين التي تمنع تداول المعلومة في الفضاء العمومي إن لم تكن موجودة لدى السلطة، وهو ما يعني أن السلطة أحرجت لما وجدت أنه يصعب عليها التحكم في المعلومة فلجأت للردع والرقابة والتشديد.
 ويمكن هنا القول أن ظهور الصحافة أحدث ثورة فكرية فظهرت أشكال بدائية للديمقراطية في بريطانيا من خلال تكوين نواة أول برلمان ( مجلس الحكماء) يساعد الملك في إصدار القوانين سنة 1661، ثم جاءت الثورة الأمريكية في 1771 وبعدها الثورة الفرنسية في 1789، وهاتين الثورتين أحدثتا  زلزال في العالم وبدأ الحديث عن مشاركة المحكومين  للحكام في تسيير الشؤون البلاد. بعدها جاء ظهور الإذاعة في 1926 لينشر المعلومة بشكل أوسع وسط طبقات الأميين، ويوسعها أكثر ظهور التلفزيون منتصف الخمسينيات حيث قضت هاتين الوسيلتين على الحواجز والعوائق التي كانت تفرضها الأمية.وهذه الوسائل كانت لها الأثر البالغ في تحري الشعوب من خلال ثورة الأفكار التي اجتحت العالم وجاءت عشرية السبعينيات وأغلب إن لم نقل كل دول العالم باتت مستقلة، ومع نهاية هذه العشرية أصبح الفضاء الإتصالي أشمل وأوسع مع ظهور الساتيليت ،فأصبحت المعلومة تنتقل خارج الأطر الجغرافية والسياسية لتكتسب صبغة " الكونية" بفضل الأقمار الصناعية.
واستمر تطور وسائل الإعلام ومعها الأفكار سنوات التسعينيات بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، ليصبح العالم يحكمه قطب واحد ممثلا في الليبرالية ، وتنتشر معه ثقافة تحرر الفرد من سيطرة الجماعة وهي الفلسفة التي تعطي قدسية للفرد على حساب الجماعة أي القائمة على المصلحة على حساب المبادئ. هذا الأمر انعكس على جميع دول العالم في تشريعاتها الإعلامية التي تعترف بالآليات التي وضعتها الليبرالية وخصوصا تلك التي تعترف للمواطن بحقه في الحصول على المعلومة[1]. ولا توجد دولة عضو في هيئة الأمم حاليا إلا وفي  دساتيرها أو نصوصها القانونية اعتراف بحقوق الإنسان ( الحق في الحياة، التفكير، التعبير، التجمع...).
الدرس السادس: نظريات الإتصال
جاءت العديد من الكتب [2]والأعمال العلمية لتمثل القاعدة الفلسفية التي تنعكس في التشريعات الإعلامية، لتؤكد أن وسائل الإعلام هي مؤسسات تعمل في مجتمع معين وتعكس واقعه الإجتماعي والإقتصادي والسياسة التي يكون عليها هذا المجتمع في فترة معينة. وبالتالي ظهرت خمس نظريات أضيفت لها سادسة فيما بعد وهي:
1-    النظرية السلطوية : ظهرت هذه النظرية في انجلترا في القرن السادس عشر، وتعتمد على نظريات أفلاطون وميكافيللي، وترى أن الشعب غير جدير بأن يتحمل المسؤولية أو السلطة، فهي ملك للحاكم أو السلطة التي يشكلها. وترى هذه النظرية بضرورة  احتكار تصاريح وسائل الإعلام، و مراقبة ما يتم نشره، كما يحظر على وسائل الإعلام نقد السلطة الحاكمة والوزراء وموظفي الحكومة، وعلى الرغم من السماح للقطاع الخاص على إصدار المجلات إلا أنه ينبغي أن تظل وسائل الإعلام خاضعة للسلطة الحاكمة. وهو  ما مثله هتلر في العصر الحديث حين يقول:" ليس من عمل الصحافة أن تنشر على الناس اختلاف الآراء بين أعضاء الحكومة".
ومن الأفكار المهمة في هذه النظرية أن الشخص الذي يعمل في الصحافة أو وسائل الإعلام الجماهيرية، يعمل بها كامتياز منحته إياه السلطة ، ويتعين أن يكون ملتزما أمامها.
2-    النظرية الليبرالية أو نظرية الحرية:  وظهرت في بريطانيا عام 1688م ثم انتشرت إلى أوروبا وأمريكا، وترى هذه النظرية أن الفرد يجب أن يكون حراً في نشر ما يعتقد أنه صحيحاً عبر وسائل الإعلام، وترفض هذه النظرية الرقابة أو مصادرة الفكر.
ومن أهداف نظرية الحرية تحقيق اكبر قدر من الربح المادي من خلال الإعلان والترفيه والدعاية، لكن الهدف الأساسي لوجودها هو مراقبة الحكومة وأنشطتها المختلفة من أجل كشف أخطائها. وتدعو هذه النظرية إلى فتح المجال لتداول المعلومات بين الناس بدون قيود من خلال جمع ونشر وإذاعة هذه المعلومات عبر وسائل الإعلام، كحق مشروع للجميع.
3-    النظرية الشيوعية ، الإشتراكية أو الماركسية: انطلقت هذه النظرية بعد الثورة البلشفية التي وصلت إلى السلطة عام 1917 ، وكانت مطبقة في الاتحاد السوفييتي سابقاً والدول التي كانت منضوية تحت عباءة الاشتراكية. وتنطلق من الفلسفة الماركسية الهادفة إلى إقامة مجتمع شيوعي تتحقق فيه العدالة من خلال سيطرة الحركة العمالية والكادحين على الحكم .اعتبرها علماء الاتصال والإعلام بأنها صورة طبق الأصل من نظرية السلطة، فمصلحة الجماعة وهيمنة الدولة تتجاوز مصلحة الفرد، لكن الاختلاف ما بينها يأتي في جانب ملكية وسائل الإعلام.
4-    نظرية المسؤولية الإجتماعية: هذه النظرية هي البنت الشرعية لنظرية الحرية، ونشأت نتيجة للصراع بين دعاة نظرية الحرية المطلقة والحرية المقيدة، ويؤكد دعاتها أنه من غير المعقول أو المقبول أن تترك حرية الصحافة هكذا بلا ضوابط ، فالصحافة مثلها مثل أي مهنة لها قيم ومعايير أخلاقية، ولا يجوز للصحافيين أن يستثمروا الحرية المطلقة للإساءة للآخرين، بل يجب أن توجد حدود معينة يضعها الصحفي على نفسه، أو مجالس صحفية للتنظيم، ومواثيق للشرف الصحفي.
5-     النظرية التنموية:  ظهرت هذه النظرية في الثمانينيات من القرن الماضي وجاءت  لتعالج الواقع الذي تعيشه دول العالم الثالث من حيث الإمكانات والظروف، والتي تختلف عن دول العالم المتقدم من حيث الإمكانات المادية والاجتماعية، فكان لابد من وجود نظرية إعلامية تناسب ظروفه وتختلف عن النظريات الأربع الأساسية.وترى هذه النظرية أن وسائل الإعلام يجب أن تقبل تنفيذ المهام التنموية بما يتفق مع السياسة الوطنية القائمة.كما تشدد على أن  حرية وسائل الإعلام ينبغي أن تخضع للقيود التي تفرضها الأولويات التنموية والاحتياجات الاقتصادية للمجتمع.
نظرية المشاركة: تعتبر امتدادا لنظرية الحرية وجاءت كرد فعل مضاد للطابع التجاري والاحتكاري لوسائل الإعلام المملوكة ملكية خاصة، كما أنها جاءت للرد على سلطوية ومركزية مؤسسات الإذاعة والتلفزيون العامة التي انطلقت من معيار المسؤولية الاجتماعية. ومبدأ هذه النظرية الأساسي مبني على فكرة مشاركة الجمهور في وسائل الإعلام أي أنه من حق المواطن والجماعات والأقليات الوصول إلى وسائل الإعلام واستخدامها، ولهم الحق أن تقدم هذه الوسائل الخدمات المناسبة له طبقاً لاحتياجاتهم.

الدرس السابع :
           بعد  تأسيس هيئة الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية انقسم العالم إلى قسمين  شرقي اشتراكي وغربي رأسمالي، ما نتج عنه ظهور أيديولوجيتين الأولى تقدس  مصلحة الجماعة باعتبارها مكون لعدد من الأفراد والثانية تقدس مصلحة الفرد.
1/ المعسكر الشرقي الإشتراكي : وهو يعتمد على الفلسفة السلطوية بشكل محين ومعدل، وهو أمر انسحب بشكل آلي على قطاع  الإعلام  فالنظرية الإشتراكية في الإعلام  هي امتداد معصرن للنظرية السلطوية . ومن أهم مبادئها أن " حرية الإعلام يجب أن تكون مع السلطة، بمعنى حرية الصحفيين في نقل الحقيقة التي تؤمن بها السلطة إلى خارج دوائرها". وتعتبر نخبة الطبقة العاملة  التي تقود المجتمع ضد الليبرالي هي محرك الإعلام،أي أن وسائل الإعلام هي أدوات أيديولوجية في يد الطبقة الطلائعية.أي هي أسلحة أيديولوجية في يد الطبقة الكادحة التي تقودها طبقة طلائعية من أجل الوصول إلى عالم الرفاهية، والتي حسبهم لا تتم إلا بالقضاء على الملكية كونها سبب كل مشاكل العالم.
إذا فقد جاءت الثورة البلشفية ضد النظام الإقطاعي وعلى الأفكار الليبرالية التي تقدس مصالح الأفراد، لكنها يف الوقت نفسه نقلت فكرة القدسية من "القيصر"إلى ممثلي العمال أو النخبة  التي عادت ما تكون المكتب السياسي للحزب الشيوعي. وبالتالي  فقد مورست في النظام الاشتراكي نفس الممارسات القمعية التي مارستها الكنيسة والملك ضد توزيع المعلومات عدا ما تراه هي مناسبا للتوزيع.
2/ المعسكر الغربي اليبرالي: هو اتجاه قائم على تقديس حق الفرد في الملكية على النقيض تمام مع الاتجاه الأول، حيث يعتقد أصحاب هذا الإتجاه أن الصالح العام هو مجموع مصالح الأفراد بالضبط كعملية حسابية. هذا الأمر انعكس على الأنظمة الإعلامية على أساس حرية كل فرد في تلقي المعلومات أو إنشاء وسائل الإعلام ونشرها ( الكتب، دور النشر، ...).
لكن هنا ظهر إشكال بين النظري والتطبيق في الواقع الذي ظهر أن حرية الأفراد هي فقط حرية من يملكون المال والتقنية التي تساعد على نقل المعلومة أو إمتلاك وسائل الإعلام، وبالتالي حرية إنشاء المؤسسات لا تعني أكثر من حرية الناشرين الذين يستطيعون أن ينشئوا دورا للنشر.وعلى هذا الأساس ظهرت الإحتكارات[3] التي جعلت حرية الفرد في امتلاك المعلومات حرية وهمية وهي حكر فقط على الذين يتوفرون على وسائل امتلاكها وتوزيعها. بمعنى أن المعلومة أصبحت تجارة تعني المضاربة من أجل تحقيق الربح وتستعمل كل الطرق من أجل نشرها وبيعها لأكبر عدد ممكن من الزبائن، بمعنى إباحة كل شيء لتحقيق هذا الهدف وهنا باتت وسائل الإعلام تسير بطريقة فوضوية من أجل ترويج المعلومة على أكبر عدد من الناس. وبالتالي تم تسجيل عديد التجاوزات الخطيرة على حياة الأفراد الخاصة وحرياتهم وحقوقهم وشرفهم وخصوصياتهم التي باتت تداس في سبيل تحقيق مصالح الشركات التي تتاجر في المعلومة. وهنا توصل المنظرون إلى أن الحرية المطلقة في الإعلام تؤدي إلى عواقب وخيمة وتشكل خطر كبير على المجتمع . وكحل وسط ظهرت نظرية " المسؤولية الإجتماعية لوسائل الإعلام  والتي تقوم على جوهر أن هذه الوسائل حرة لكن تبقى حريتها مقترنة بمصالح المجتمع ككل. وتغير مبدأ الحق في الملكية المطلقة ليرتبك بفكرة " الوظيفة الإجتماعية للملكية" ومعناه يجب مراعاة حقوق وحريات الآخرين الذين لا يتوفرون على هذه الملكية.
لكن ظهرت تناقض بين النصوص القانونية وبين الفكرة الفلسفية لهذه النظرية التي جاءت لتحد من حرية الصحافة، هنا جاءت فكرة  أن يتكفل المهنيون بتحديد ضوابط لهذه الحرية وظهرت بالتالي مواثيق الشرف الصحفي أو أخلاقيات المهنة الإعلامية. لكن السؤال الذي طرح نفسه هنا هو :" هل يسمح المالكون للمعلومة للمواطن أن ينشر معلومات تصيب مصالحهم بالضرر؟  وعلى هذا الأساس تبلورت فكرة فلسفية سمت فيما بعد إلى نظرية المشاركة      التي جاءت كرد فعل مضاد للطابع التجاري والإحتكاري لوسائل الإعلام المملوكة ملكية خاصة.
3/ وبين هاذين الإتجاهين المشكلين من دول محورية تدول في فلك الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي  ظهر اتجاه ثالث مشكل من الدول الهامشية التي بدأت تنمو وتتسع لتصبح هي الأغلبية في هيئة الأمم  وشكلت فيما بعد حركة عدم الإنحياز، والتي طالبت في اجتماع الجزائر سنة 1974 بنظام عالمي جديد للإعلام والإتصال يقوم على أساس  استعمال وسائل الإعلام الحديثة في تحقيق التنمية وفي اقلاع المجتمعات التقليدية نحو الحداثة.
//////////////////////////////////////////////////
الدرس الثامن :
 كان لوسائل الإعلام الدور الكبير في سقوط جدار برلين ثم انهيار الإتحاد السوفياتي، ليتوحد العالم تحت مظلة الليبرالية على الطريقة الأمريكية وأصبحت كل الدساتير والقوانين في العالم تعني بالحق في الإعلام،أي أن تشريعات الإعلام باتت تخضع للأيديولوجيات الليبرالية .
 كان الأمريكيون يشتكون من هيمنة الإعلام الأوربي عن طريق الوكالات والمؤسسات الإعلامية، لكن تضرر أوربا في الحرب العالمية الثانية وخروج الولايات المتحدة منتصرة جاء بالفرصة المواتية كي تنتقل الهيمنة الإعلامية  لتصبح أمريكية . حيث باتت الولايات المتحدة الأمريكية مطلوبة لإعادة إعمار أوربا وهو ما كان عن طريق مخطط مارشال وجاءت الفرصة لتعميم الرؤية الأمريكية. وتم حينها خلق هيئة الأمم المتحدة التي هدفت للحيلولة دون إندلاع حرب عالمية ثالثة قد تكون نهايتها فناء البشرية. وتم بعد إعداد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لإضفاء الشرعية على الهيمنة الأمريكة من خلال فتح الحرية لتداول المعلومات بأي وسيلة كانت ودون التقيد للحدود السياسية والجغرافية والهدف  الخفي هو كسب الشعوب  وجذبهم إلى المبادئ الليبرالية.
 وتم استعمال وسائل الإعلام من أجل التغيير الثقافي في إطار ما يسمى بالحرب الناعمة soft war
هنا بات أكثر من 70 بالمائة مما تبثه وسائل الإعلام أمريكيا لدرجة أن أحد المفكرين وهو طومسون طرح سؤال " هل وسائل الإعلام أمريكة؟" . لكن المشكل كان في نقل المعلومة الذي كان يخضع لعوامل الطبيعة، و في ظل وجود القيوم والعراقيل تم توظيف تكنولوجية الأقمار الصناعية لنقل المعلومة ثم تطوير التكنولوجية الرقمية  لتصبح المعلومة تترجم لأرقام 0و 1 عوض  النقاط كما كانت في النظام التماثلي، وهو ما ساهم في تخزين كميات هائلة من المعلومات في مساحات إلكترونية ،وبهذا تم القضاء نهائيا على العوائق الطبيعية لتبقى فقط بعض العوائق السياسية مثل التشويش والمنع. هذه التكنولوجيات ساهمت بشكل سريع في إسقاط الإتحاد السوفياتي وتقسيمه لدويلات صغيرة يسهل التحكم فيها وتحويلها للنظام الليبرالي وكانت هذه هي المرحلة الأولى للحرب الناعمة  التي سميت " التغيير الثقافي بوسائل الإعلام"، والتي كانت تهدف لتغيير صورة الغرب وأمريكا حتى في الدين والمعتقدات،أي زرع الثقة لدى الجمهور. هنا طرح إشكال  مصداقية القائم بالإتصال ، والحل كان في إنشاء وسائل قنوات أمركية المحتوى وليس الشكل  خصوصا تلك الموجهة للعالم الإعلامي التي تبدو في شكلها إسلامية تراعي قيم المشرق وهو ما مكن من رسائل الغرب أن تمر وتدخل كل البيوت والعقول.
 بعدها تم خلق وسائل اتصال جديدة في إطار ما يسمى new media وخصوصا الـ wiki’s  والتي تم من خلالها تسريب المعلومات وهي مرحلة ثانية من الحرب الناعمة التي تقوم على أساس الدبلوماسية ،وإن فشلت هذه المرحلة يتم اللجوء للحصار الإقتصادي وفي حال فشله يجب القيام بحرب صلبة hard war  .
خلاصة : يمكن القول أن امتداد الثقافة الليبرالية للتشريعات الإعلامية  ساهم في ظهور عدد من النصوص والمواثيق الأممية التي يجب مراعاتها في كل نص تصدره أي دولة توقع عليها.حيث كانت البداية مع ظهور المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية سنة 1966 للتوالى بعدها النصوص والتي يمكن تقسيمها لثلاث أنواع:
·        المعاهدات: تنص على الإعلام مباشرة أو ضمنيا مثل تجريم الدعاية للحرب والمخدرات والأمراض، وتوجد من بينها 12 معاهدة مؤكدة تنص بصفة مباشرة على الحق في تداول المعلومة عبر العالم . وتعتبر المعاهدات ملزمة للدول التي توقع عليها وتنخرط في مضمونها.
·        الإعلانات : وعددها حوالي 18  وهي غير ملزمة إلا في بعض الحالات عندما يتم الإستناد إليها ، حيث يصبح ملزما إذا تناولته وثيقة ملزمة أي  ملزما بالتبعية كونه مرجع لوثيقة ملزمة، وهذا هو الحال مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي استندت إليه المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية.
·        اللوائح: وهي تصدر عن الوكالات المتخصصة بالأمم المتحدة والمتعلقة بالإعلام تصدر عن منظمة اليونسكو وعددها حوالي 08 .
وبالتالي يوجد حاليا حوالي 50 وثيقة منظمة لتداول المعلومة عبر العالم ما بين ملزمة، موجهة ومفسرة.
الدرس التاسع :
مقدمة: توجد ثلاث سلطات دستورية في أي دولة وهي :
·        السلطة التشريعية: هي الجهة المخولة دستوريا لإصدار النصوص التنفيذية للدستور ، وقد تكون ممثلة في البرلمان أو مجلس الشورى أو الرئيس ...إلخ.
·        السلطة التنفيذية : هي الجهة المخولة دستوريا لتنفيذ القوانين.  وقد تقع في إطار هذا التنفيذ نزاعات سواء بين الحكومة والحكومة ،أو بينها والشعب حول الإقليم [4] فتتدخل السلطة الثالثة لفض هذه النزاعات.
·        السلطة القضائية: هي التي تحل النزاعات .
·         وبعد ظهور وسائل الإعلام وتطورها الكبير باتت تساهم في الحياة العامة فسميت أدبيا السلطة الرابعة .
·         ولما كانت المعلومات التي تنشرها الصحافة تستمدها من المكلفين بالإعلام وهم الذين لا يعطون سوى المعلومات التي تصور الواقع كما يرونه لا كما هو عليه ، فسمي  هؤلاء  بالسلطة الخامسة ويدعون بالمتلاعبين بالعقول أو spin doctors.
التدرج القانوني:
1-    الدستور ( القانون الدستوري): هو أعلى وأسمى  من القوانين الأخرى ، وهو القانون الأساسي للدولة الذي يشمل المبادئ العامة التي تقوم عليها، وهو يكون إما عرفيا أو عن طريق إستفتاء أو أحيانا يفرض من طرف السلطة ممثلة في الرئيس مثلا.
2-    القوانين المفسرة أو ما تسمى القوانين العضوية بالجزائر: هي قوانين تفسر الأحكام العامة حول قطاع معين وحساس ، مثل قانون الانتخابات، الأحزاب، الإعلام، العلاقة بين الحكومة والبرلمان...
3-    القوانين التطبيقية: وهي  تخص المبادئ العامة المتعلقة بكل قطاع وهي عادة ما تصدر عن البرلمان.
4-    النصوص التنفيذية: عادة ما تكون مراسيم تنفيذية تصدرها الحكومة من أجل تطبيق قاعدة من قواعد القانون التطبيقي.
5-    القرارات الوزارية المشتركة: وهي  تعدها عادة مجموعة من القطاعات وفي أغلبها يشترك وزير المالية.
6-    القرارات الوزارية: تمس قطاع واحد فقط.
7-    التعليمات: قد تكون من طرف مدير عام، مدير تنفيذي أو غيرهما، وهي تكون إما تطبيقية للنصوص أو موجهة أو إرشادية ترشد المشرع لسد فراغ قانون وتصدر عادة من طرف رئيس الجمهورية.
·       هذا التدرج القانوني يطبق على التشريعات الإعلامية.
الدرس العاشر:التوجهات الحديثة للتشريعات الإعلامية
إن تداول المعلومات في الفضاء العمومي يطرح جملة من المشاكل الكبرى ، ما إضطر بالمجتمعات الحديثة للتدخل من طرف الجهات المخولة دستوريا للتشريع ، إما من طرف السلطة التشريعية أو الجمعيات المهنية للصحفيين أو المجتمع المدني.
·        التشريعات الإعلامية : هي النصوص والقواعد القانونية والأخلاقية  التي تنظم تداول المعلومة في الفضاء العمومي . وتدرج ضمن التشريعات الإعلامية  القواعد الأخلاقية التي يضعها المهنيون في قطاع الإعلام للتفريق بينهم وبين المتلاعبين بالعقول.
إذا :
1-    الدولة تشرف على وضع قوانين
2-    المهنيون يشرفون على مواثيق الشرف
3-    المواطن كذلك يفرض نوع من القواعد العامة .
·        قانون الإعلام : droit de l’iformation هو مجموعة القواعد التي تنظم المعلومة وتصدر عن جهة مخولة دستوريا.
·        إذا نظرنا لعالم اليوم نجد فيه مدرستين المدرسة الأنجلوسكسونية والمدرسة اللاتينية .
1-    التوجه الأنجلوسكسوني: تمثله دول منها الولايات المتحدة الأمريكية ، بريطانيا، نيوزيلاندا ،أستراليا ...وغيرها ، وهي دول تتجه إلى تقييد تدخل السلطات العمومية في مجال حرية الإعلام،أي بمعنى آخر توسيع مجال الحقوق المتعلقة بتداول المعلومة وهذا إنطلاقا من المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . وفي هذه الدول لا توجد قوانين خاصة بالصحافة بل الصحافة مؤسسة إجتماعية تخضع للقوانين العامة للمجتمع ، لذا تنظيمها ذاتيا من خلال مواثيق الشرف والمدونات المهنية، لأن أي قانون يعتبر عرقلة كونه يعطي للسلطة حق التدخل في حرية الإعلام.
ويذهب المشرع الأمريكي  منذ قرنين بمقتضى التعديل الأول للدستور إلى منع إصدار قانون يحد من حرية الصحافة ، كما تمنع الممارسة  السلطة الأمريكية أن تمتلك وسائل الإعلام[5]
إذا  يتلخص هذا الإتجاه في عدم وجود قوانين تحد من حرية الصحافة، بل ذهب هذه الدول لحد إصدار قوانين تسمى " قوانين حرية الصحافة" ترغم السلطات العمومية على توفير الظروف للمواطن من أجل ممارسة حقه في الإعلام. وتوجد ست دول لديها هذه القوانين :
أ‌-       الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1974
ب‌-   كندا في  الثمانينيات
ت‌-   أستراليا
ث‌-    بريطانيا
ج‌-     السويد
ح‌-     نيوزلندا التي  ذهبت بعيدا  واعتبرت  الحق في الإعلام حقا إنسانيا وليس حق خاص بمواطنيها فقط.
2-    التوجه اللاتيني: ويضم عادة الدول المتأثرة بالثورة الفرنسية ، وهي دول تضع الإطار لممارسة حرية الإعلام ، وتوجد بها قوانين الإعلام والطباعة والنشر ...وغيرها.
·        إذا هناك توجه  نحو قوانين حرية  الصحافة  وتوجه نحو قوانين الصحافة والنشر ، وهذه الثانية تتجه نحو تحديد مجال الممارسة وتقليصه فيما تتجه الأولى نحو توسيعه.
3-    ويوجد بين هذا وذاك توجه ثالث يدعم التنظيم الذاتي لمهنة الإعلام  ويتعلق أساس بالأخلاقيات المهنية ، وهي  تحد من الحريات رغم أن مخالفتها لا يترتب عنها جزاءات عدا بعض المسؤوليات الأخلاقية التي قد تتطور إلى الطرد من المؤسسة الإعلامية وشطب الاسم.
الدرس الحادي عشر:
خلاصة:
  كخلاصة لما سبق يمكن القول  توجد ثلاث توجهات للتشريع الإعلامية الحديثة وهي :
1-    التوجه الأول:  يتلخص في قوانين تنظم حرية الإعلام وحق الإعلام، باعتباره حق انساني وضروري في الديمقراطيات الحديثة. وقاعدتها القانونية هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وتستمد طابعها الإلزامي من المعاهدة الدولية للحقوق المدينة والسياسة لسنة 1966.وهي موزعة عبر قواين مختلفة من دولة لأخرى ولا توجد في هيكل واحد سوى في ست دول هي( الولايات المتحدة الأمريكية في 1974 ، وبعدها كل من كندا، أستراليا، نيوزلاندا، السويد ، و بريطانيا). وهذه القوانين تتعلق بحق المواطن في الإعلام ولا تنص على حق الصحفي والحقوق المجاورة. كما أنها قوانين تتوجه بالخطاب إلى السلطات التي تملك المعلومات، وتجبرها على اتخاذ الإجراءات التقنية وحتى السياسية التي تمكن المواطن من ممارسة حقه في الإعلام.
2-    التوجه الثاني: يتعلق بإصدار القوانين الخاصة بالإعلام ولها عدة أشكال:
أ‌-       القوانين المتعلقة بالنشر: تخص كل الوسائل التي يتوفر عليها الفضاء العمومي لنشر المعلومات.
ب‌-   قوانين المطبوعات: تخص كل ما يطبع.
ت‌-   قوانين النشر الإلكتروني: وتخص نشر المعلومات عبر الدعائم الإلكترونية.[6]
ث‌-   القوانين المنظمة للمؤسسة: مثل القانون التجاري، قانون السمعي البصري، قانون الإشهار، قانون سبر الأراء...وغيرها.
3-    التوجه الثالث: ويختص بالتنظيم المهني الذاتي ، والمقصود به " مجموع النصوص والمواد الأخلاقية والشرفية المهنية التي تنظم تداول المعلومة في الفضاء العمومي. وفي هذا السياق توجد ثلاث أنواع من الدول:
أ‌-       هناك دول- وغالبها أنجلوسكسوني- تكتفي بالقواعد الأخلاقية التي تصدر عن منظمات مهنية، وفيما يتعلق بالجوانب التقنية والتجارية تكتفي بالقانون العام، مثل القانون التجاري الذي يفرض على المؤسسات الإعلامية احترام دفتر الشروط ، من خلال مراعاة التزاماته اتجاه الدولة واتجاه الجمهور، وهذا باحترام القيم السائدة في مجتمع ما.
ب‌-  توجد دول تصدر الأخلاقيات المهنية  في شكل ملزم  وتسلط عقوبات على من لا يحترمها (مثل الحبس والطرد وغلق المؤسسة)، كما كانت عليه الجزائر خلال قانون الطوارئ منذ التسعينيات.
ت‌-  توجد دول تخلط بين التوجهين ،حيث تنص قوانينها على الأخلاقيات لكن تصدرها المنظمات المهنية،أي أن قوانين الدولة تدعم مواثيق الشرف لتكون لها قوة أكبر ، وهذا هو الشأن في جمهورية مصر.


[1]  يعرف الحق في الحصول على المعلومات أو الحق في الإعلام على أنه السلطة القانونية التي  تسمح له بالحصول على المعلومات والأفكار وفيها يطالب الفرد بالسماح له في الوصول للمعلومة، ويمنع غيره من عرقلته . وجاء الإعتراف بهذا الحق في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948. ليتطور وتعطى له صفة القانونية ويصبح إجباريا سنة 1966 مع المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية. ثم تطور للحق في الإتصال خصوصا مع ظهور وسائل الإعلام الجديدة التي أصبح يمارس فيها هذا الحق وإن لم يتم الإعتراف به صراحة بنصوص قانونية رغم أنه موجود في بعض الدول. 
[2] مثل  كتاب "النظريات الأربعة للصحافة" من تأليف ثلاثة  من علماء الاتصال الكلاسيكيين بعيد الحرب العالمية الثانية (1956م)، وهم سيبرت، بيترسون، وشرام.  كما ألف فيما بعد ولبور شرام  كتابه وسائل الإعلام والتنمية  (Mass Communication and National Development)
[3] مثلا  إحتكار روبرت مردوخ الذي يملك 1/3 من وسائل الإعلام في المملكة المتحدة وأستراليا .
[4] باعتبار الدولة هي  سلطة + شعب + إقليم
[5]   هناك إستثناء عند إنشاء إذاعة صوت أمريكا  من طرف وزارة الخارجية والتي  تم قبولها كونها موجهة للخارج .
[6] الدعامة هي الأجهزة التي تستعمل في نشر المعلومة، والوسيلة هي الوسائط الجديدة التي توزع المعلومة في الوسط الإلكتروني.

حرية التعبير بين المدرستين اللاتينية والانجلوسكسونية 

بقلم محمود طالب

http://opinion-pub.blogspot.com/

تشكل حرية الإعلام احدي الأساسيات التي تقوم عليها الديمقراطيات الحديثة في العالم , لذلك نجدها تهتم بالإعلام وتجعله من أولوياتها السياسية والاقتصادية والتشريعية, وذلك للأثر البالغ  والدور الفاعل الذي أصبح يلعبه في مختلف المجالات الحياتية.
من هنا ذهبت الدول الديمقراطية الليبرالية إلى اعتماد مختلف التقنينات للعمل على ضمان أفضل حرية ممكنة للإعلام, من خلال حضر أي تقنين يتعارض مع هذه الحرية باعتبارها من الحريات الأساسية للإنسان اعتمادا على المادة 19 من ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1948, ونفس المادة من  العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي عرض للتصديق عليه من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966 وبدا العمل به منذ سنة 1976, وإما من خلال التقنين له وإلزام مختلف الجهات الفاعلة فيه بعدم المساس بهذه الحرية, إلى غير ذلك من أنواع التشريعات المتعلقة بالإعلام.
لكن عموما انقسم التشريع للإعلام بين مدرستين أساسيتين المدرسة اللاتينية, والمدرسة الانجلوسكسونية.
القانون المشترك ( common lawبالإنجليزية)، ويسمى أيضاً القانون الأنجلو-سكسوني وأحياناً القانون العام، هو المدرسة القانونية التي تستمد جذورها من التراث القانوني الإنجليزي، ومجموعة القوانين النابعة من هذه المدرسة، ومن أبرز سماتها الاعتماد على السوابق القضائية كمصدر ملزم للتشريع، ويقابل هذه المدرسة مدرسة القانون المدني التي تستمد جذورها من التراث القانوني الأوروبي، وبالأخص القانون الروماني. وفي داخل الدول التي تتبع مدرسة القانون المشترك، يستخدم المصطلح بمعنى آخر أحياناً، حيث يطلق على القوانين العرفية غير المكتوبة فيكون القانون المشترك في هذه الحالة مقابلاً للقانون المكتوب الصادر من المجالس التشريعية.
في حين في المدرسة اللاتينية تم استخلاص منهج موحد مستمد من مدونة جوستنيان (الإمبراطور الروماني الشرقي) ومن الأعراف الجرمانية التي سادت بعد غزو قبائل البربر الجرمانية واستيلائها على أراضي الإمبراطورية الرومانية في أوروبا . لذلك يطلق على هذه المدرسة اسم العائلة الرومانية الجرمانية. أما بالنسبة لعائلة الكومون لو فقد نشأت في انجلترا بجهد قضاة المحاكم الملكية منذ الغزو النورماندي لانجلترا بقيادة الأمير (وليم) أمير النورماندي الذي قضى على أخر ملوك الانكلوسكسون فأنهى بذلك الحكم القبلي القائم على نظام الإقطاع.
كما ان التشريع في المدرسة اللاتينية يعتمد على المشرع بشكل كامل’ فهذا الاخير له السلطة التامة في التشريع, والقاعدة القانونية تعتبر امرة وتامة شاملة, في حين ان القاضي في المدرسة الانجلوسكونية له السلطة التقديرية والقوانين بها تعتبر مرنة. 
وبالتالي فاننا نجد اختلافا كبيرا بين المدرستين اللاتينية والانجلوسكسونية في التعامل مع القضايا الاعلامية والتشريع لها وكذا من حيث اليات التطبيق, فنجد الكثير من قوانين الاعلام في الدول التي تعتمد وتتبنى المدرسة اللاتينية, تجرم بعض الاخطاء التي يقع فيها الصحفي, وتسن لها اجرءات عقابية تصل الى حد الحبس, في حين ان المدرسة الانجلوسكسونية تقدس جرية الاعلام وتفتح لها الباب على مصراعيه الى درجة ان الدستور الامريكي ينص على انه "لا يجوز للكونغرس أن يسن قانوناً يتعلق بإنشاء دين، أو منع ممارسته بحرية؛  أو يحدّ من حرية التعبير، أو الصحافة؛  أو حق الناس بالتجمع بسلام، أو مطالبة الحكومة برفع المظالم."
إن المدرسة الانجلوسمسونية تبنت نظاما  تشريعيا يضمن أقصى حد  ممكن لحرية الإعلام, بحيث أن معظم التشريعات التي مست قطاع الإعلام كانت تتوجه وتخاطب الحكومات ولا تخاطب الإعلاميين,
لكن الواقع المشاهد يجسد حقيقة مغايرة, حيث أن حرية الإعلام محصورة في نطاق معين على عكس ما يصرح به, بالإضافة إلى أن اغلب وسائل الإعلام تمثل توجها إيديولوجيا وسياسيا معينا, ما حول دون ممارسة الحق في الإعلام بالشكل المناسب, كما أن ذلك طريقة من طرق تقييد الممارسة الإعلامية, ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا: نجد أن وسائل الإعلام تعبر عن توجهين سياسيين أساسيين, هما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري, وما عداهما فهو في عداد النكرة الإعلامية.
تعتبر حرية التعبير من بين اهم القضايا التي كانت ولا تزال تثير جدلا كبيرا في الاوساط المهنية والرسمية وحتى على مستوى المواطن البسيط, اذ اننا نجد ان مختلف النصوص القانونية, والقواعذ المتعلقة باخلاقيات المهنة تتطرق لهذه الحرية او مايسمى بـ: الحق في الاعلام او بمفهوم اوسع الحق في الاتصال.

لكن اختلفت الاهداف والتوجهات في هذه النصوص  بين مضيق ومحرر, وجامع بين هذا وذاك, كما ان هذه النصوص تختلف على حسب المجتمعات من حيث الانظمة التي تسيرها, والقوانين التي تنظمها وكذا القواعد الاخلاقية التي تحكمها.

وهذا ما ساحاول التطرق اليه في هذه المدونة, لعلي لتمكن من نشر ثقافة قانونية في مجال الاعلام, او على الاقل ادفع بالعاملين في المجال والمهتمين به الى الاطلاع لمعرفة مالهم وما عليهم. 

فاكثر ما دفعني الى انشاء هذه المدونة هو الخلفية الخاطئة المشكلة عن حرية التعبير, اذ ان البعض يعتقد ان حرية التعبير هي ان تقول ماتشاء في الوقت الذي تشاء واينما تشاء, في حين يعتبرها اخرون تهديدا للمناصب وذهابا بالمكاسب, وفضحا للرواسب. 
اذن ساحاول ازالة اللبس عن الموضوع بتدوينات متنوعة في المجال, ياسلوب اكاديمي احيانا, وصحفي احيانا اخرى.

عرض كتاب الحرية الإفتراضية

 

 



المؤلّف: داون نونسياتو
ترجمة: أنور الشّامي
الناشر: وزارة الثقافة والفنون والتّراث -قطر
السنة: الطبعة الأولى، 2011 
عدد الصفحات: 230

اعتقد المتحمِّسون لشبكة الإنترنت أنّها وسيطٌ عصيٌّ-إلى درجةٍ كبيرة- على التّنظيم الرسميّ والرّقابة. وقد برز هذا الاعتقاد في إطار ما يسمّى بـ "ثالوث الإنترنت المقدّس": "تقنية الوسيلة- طبيعة المحتوى- التّوزيع الجغرافيّ للمستخدمين". واعتمدوا في ذلك على فرضيّةٍ مفادها بأنّ شبكة الإنترنت صُمِّمت بهدف تفادي حرب نوويّة. ومن ثمّ فإنّ هندستها وبنية حزم المعلومات فيها تقاوم الرّقابة، وتحقّق حلم التّحرّر المدنيّ من خلال تقنيةٍ منخفضة التّكاليف للمستخدمين، ووسيط تفاعليّ بالغ الأهمّية للأفراد وللحكومات على حدٍّ سواء.
ينطلق هؤلاء المتحمّسون لشبكة الإنترنت من فكرة تقليديّة، تقول إنّ الإنترنت هي فضاء للتّعبير الحرّ من حيث الاتّساع والأهمّية؛ وذلك -على الأرجح- للسّهولة غير المسبوقة في دخول هذا الفضاء، والتّعبير الحرّ فيه. ولطالما أثارت حرّية التعبير على شبكة الإنترنت العديد من الإشكاليّات المتعلّقة أيضًا بالتنظيم القانونيّ، وآليّاته، ومدى فعاليّته في إطار وسيطٍ بات يتمتّع بالقدرة على الاتّصال الآليّ وعلى تجاوز الحدود الجغرافيّة والسياسيّة والقانونيّة؛ لا سيّما بعد أن أصبحت هذه الشّبكة خاضعة لسيطرة حفنة من الكيانات الخاصّة خارج هيمنة الحكومات وأجهزتها التابعة لها.
تقع هذه المفارقة في صفحات كتاب "الحرّية الافتراضيّة"، لداون نونسياتو. وقد صدرت حديثًا ترجمته عن الإنكليزيّة للعربيّة، بمبادرة من وزارة الثّقافة والفنون والتّراث القطريّة. يقع الكتاب المترجم في 230 صفحة، وهو من القطع المتوسّط. ويشتمل على سبعة فصول؛ تقدّم فيها الكاتبة -أستاذ القانون في جامعة واشنطن- معطيات مهمّة، تمكّن القارئ من الاطّلاع على الجانب الخفيّ لممارسة الشّركات المزوّدة للإنترنت الرّقابة على المحتوى، وفق رؤيتها ومصلحتها المباشرة. وكان ذلك أحد تداعيات التّنقيحات التي حصلت مؤخّرًا على قانون حرّية التّعبير في الولايات المتّحدة. وبموجبه مُنعت الحكومة من الرّقابة على التعبير، ولكنّها في المقابل سمحت للشّركات التجاريّة الوسيطة -التي باتت تعدّ بمنزلة الحارس لبوّابات محتوى الشبكة العنكبوتيّة- بالقيام بهذا الدّور والتحكّم في المحتويات المنشورة.
هل انتهت حرّية التّعبير على الإنترنت؟
من خلال مجمل فصول هذا الكتاب، توصلنا الكاتبة إلى حقيقةٍ مفادها بأنّ حرّية التّعبير عبر الإنترنت قد انتهى بها المطاف لتصبح خاضعة لحفنة من الكيانات- الشركات الخاصّة ذات السّطوة، تتحكّم فيها. ونتيجة لذلك، أصبحت قنوات التّعبير مملوكة لتلك الشّركات. وتقرّ الكاتبة بأنّ السّنوات الأخيرة قد شهدت تطوّرًا، كان من شأنه أن منح حفنة صغيرة من القنوات ذات السّطوة هيمنة مطلقة على تعبير الأفراد؛ إلى الحدّ الذي جعل قدرة هذه القنوات الخاصّة على رقابة التعبير من خلال هذه الوسيلة، تصل إلى مستويات غير مسبوقة. وقد استثمرت قنوات التعبير -التي تتّخذ من الولايات المتّحدة مقرًّا لها- موارد ماليّة هائلة لتطوير طرق الرّقابة على التعبير؛ وذلك بناءً على طلب أنظمة مقيِّدة للتّعبير مثل الصّين. ومع توفّر تلك الطّرق، تصبح قنوات التّعبير مؤهّلةً -وعلى نحوٍ متزايد- لتقييد حريّة التّعبير لدى مستخدمي الإنترنت في الولايات المتّحدة؛ وذلك تعزيزًا لمصالحها التجاريّة والسياسيّة وغير ذلك من المصالح، ممّا يزعزع الثّقة بينها وبين المستخدم.

الكيانات المهيمنة على حرّية التّعبير
تشخّص الكاتبة مشكلات حرّية التّعبير على الإنترنت، وترى أنّه على الرّغم من كون شبكة الإنترنت قد حقّقت -ولاتزال- أكبر سوق تشاركيّة للتّعبير الجماهيري؛ فإنّ مجموعة من القنوات ذات السّطوة، قد صارت تتحكّم في نهاية المطاف في حريّة التّعبير، مثل مزوِّدي إنترنت القطاع العريض ومزوّدي العمود الفقري للإنترنت ومزوّدي البريد الإلكتروني ومحرِّكات البحث.
ووجود هذه القنوات ذات السّلطة، يطرح إشكاليّة: في أيّ ظروف استخدم هؤلاء المزوِّدون سلطتهم التّقديريّة لتحديد أيٍّ من المحتويات يُحجب، وأيٍّ منها يُسمح بعبوره؟ فقد شهدت عمليّة تنظيم الإنترنت خلال السّنوات الأخيرة تطوّرًا، كان من شأنه أن منح هذه الكيانات الخاصّة هيمنة مطلقة على حرّية تعبير الأفراد؛ إلى حدّ جعل قدرة هذه القنوات الخاصّة على رقابة التعبير عبر هذه الوسيلة تصل إلى مستويات غير مسبوقة.
وتعطينا داون نونسياتو أمثلة على الكيفيّة التي أصبحت بها قنوات التعبير مؤهّلة -وعلى نحو متزايد- لتقييد التعبير لدى مستخدمي الإنترنت في الولايات المتّحدة؛ لاسيّما ذلك التّعبير الذي يتضمّن انتقادًا للحكومة، أو يتعارض مع المصالح التّجاريّة للمزوِّد. وهو ما جرى حين حجبت شركة "أميركا أونلاين" -التي كانت في وقت من الأوقات المزوّد الأكبر لخدمة الإنترنت داخل الدولة وفي العالم بأسره- رسائل بريديّة أرسلها معارضون لبعض سياسات "أميركا أونلاين" الخاصّة برسائل البريد الإلكتروني. كما قامت شركة كومكاست Comcast -التي تعدّ واحدةً من أكبر الشّركات المزوّدة للنّطاق العريض للإنترنت- سرًّا، بتقييد قدرة مشتركيها على استخدام تطبيقات مشاركة الملفّات القانونيّة. ومنعت مشتركي بريدها الإلكتروني من تلقّي مراسلات من مجموعتي ضغط، تنتقدان الرّئيس الأميركي السّابق جورج بوش الابن. كما حجبت الشّركة رسائل بريد إلكتروني من منظّمة، كانت تسعى إلى الضّغط على الكونغرس لإدانة الرّئيس؛ على خلفيّة شنّه الحرب على العراق. وهناك شركة AT&T (وهي مزوّد للإنترنت ADSL)، التي فرضت رقابة على المقاطع الغنائيّة المناوئة لبوش. كما قام مزوّدو خدمة إنترنت وحرّاس بوّابات Gatekeepers آخرون، بإعاقة الأفراد عن المشاركة في التّعبير عن آرائهم الخاصّة في الحرب على العراق أو في أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وكانت شركة Google بدورها، قد فرضت الرّقابة على جميع صور الجنود الأميركيّين وهم يعذِّبون أسرى عراقيّين. وبحسب الكتاب، فإنّ شركة "غوغل" قد تورّطت أيضًا في أعمال رقابيّة عديدة، أسوة بمزوِّدي النّطاق العريض. ولأنّ  "غوغل" يعدّ محرّك البحث الأقوى على الإنترنت؛ فقد تورّط في التّلاعب بنتائج البحث وترتيبها، وفي فرض الرّقابة على "الرّوابط الدعائيّة" المتّصلة بهذه النّتائج، وهي عبارة عن رسائل نصّية موجزة، تظهر مرتبطة بكلمات البحث التي يُدخلها مستخدمو "غوغل". ومن بين القضايا "المثيرة للحساسيّة" التي كثيرًا ما تفرض شركة "غوغل" عليها قيودًا؛ تُذكر النّقاشات التي تدور حول الإجهاض. فعلى الرّغم من أنّ "غوغل" تقبل ظاهريًّا بالرّوابط الدعائيّة الخاصّة بالموضوعات ذات الصّلة بالإجهاض من وجهات نظر دينيّة معيّنة، ومساندة للحقّ في الإجهاض؛ فإنّها ترفض قبول الرّوابط الدعائيّة التي تناقش موضوع الإجهاض من وجهة نظر دينيّة، أو تلك التي تحيل إلى المسألة من زاوية نظر دين ما. كما فرضت "غوغل" في الجانب السّياسي قيودًا على الآراء في روابطها الدعائيّة. وتشير نونسياتو إلى أنّ "غوغل" لدى تنفيذها سياستها الرّافضة لاستضافة الرّوابط الدعائيّة التي تقف "موقفًا مناوئًا من أيّ فرد أو جماعة أو منظّمة"؛ أخذت تستخدم هذه السّلطة في فرض قيود على التّعبير، لمصلحة مواقف سياسيّة بعينها. كما فرضت كلٌّ من شركة "أمريكان أونلاين" America Online و"ياهو" Yahoo الرّقابة على منتديات الإنترنت، التي تستضيف موادّ معادية لأميركا وللإسلام.
كما فرض حرّاس بوّابات الإنترنت رقابة على الآراء المتعلّقة بشؤون دينيّة ومجتمعيّة، عندما علّقت شركة "نتورك سيلوشنز" لحلول الشّبكات NSI (وهي واحدة من أكبر الشّركات الأميركيّة في تسجيل أسماء النّطاقات وحارسي البوّابات للحصول على موقع على شبكة الإنترنت) تسجيل اسم النّطاق لموقع عضو البرلمان الهولندي جيرت فيلدرز، وأغلقت ذلك الموقع عندما ارتأت أنّه سوف يُستخدم لبثّ فِلْمٍ قصير يحمل انتقادات للإسلام... إلخ
وتضيف الكاتبة أنّ مزوّدي خدمة الإنترنت -الذين يعملون مزوّدي خدمة بريد إلكتروني، أو مستضيفين لمواقع- يستطيعون حظر المحتوى في رسائل البريد الإلكتروني أو المواقع، من خلال استخدام أحد برامج المرشّحات. كما يمكنهم استخدام برامج "متشمّمي  الحزم"، لحظر الوصول إلى أنواع من بروتوكولات الاتّصال. ويتسنّى لبرامج الغربلة حظر المحتوى، من خلال طرق متعدّدة؛ مثل البرامج التي تستطيع أن تحجب كلمات أو عبارات معيّنة غير مرغوب فيها، مثل الكلمات ذات الصّلة بالجنس، وتسمّى بـ "برامج الغربلة".

"حرّية التّعبير عبر الإنترنت تنزلق في هدوء من بين أيدينا"
تخلص الكاتبة -في معرض حديثها في هذا الباب- إلى أنّ مزوّدي خدمة النّطاق العريض وكيانات التعبير الأخرى على الإنترنت، قد أصبحوا يمتلكون الوسائل التّقنية الكفيلة بفرض الرّقابة؛ وذلك بفضل استخدام تقنية التّفتيش العميق للحزم، وبرامج الغربلة. كما أنّ لدى مزوّدي خدمة النّطاق العريض -أولئك الذين يحظون بحقّ احتكار / أو بوضع احتكار ثنائيّ لسوق الإنترنت المنزليّة- ما يحفّزهم على فرض القيود على التّعبير الذي يضرّ بمصالحهم في السّوق،  وإتاحة الفرصة للتّعبير الذي يتوافق مع تلك المصالح دون غيره. كما أصبح بمقدور مزوّدي النّطاق العريض -مثل (كومكاست)- اختيار المحتوى الذي يريدون التّرويج له، وفرض الرّقابة على المحتوى غير المرغوب فيه. وهذا ينطبق على محرّكات البحث -ومنها "غوغل"- التي يوجد لديها سلطة مطلقة في فرض الرّقابة على التّعبير الذي تتيحه للمستخدم من خلال بوّابتها.
 
من يتحكّم في الإنترنت؟
تستطرد الكاتبة بالقول إنّه على مدى العقدين الماضيين من الزّمان، أخذت الولايات المتّحدة تنزع عن نفسها ملكيّة البنية التّحتيّة للإنترنت وتحكّمها فيها. وتنازلت عنها إلى حفنة من الكيانات الخاصّة. وفي الوقت الذي أقدمت فيه على ذلك؛ كانت قنوات التّعبير الخاصّة تلك، مازالت تُسيَّر بوصفها ناقلات عموميّة وملزمة قانونيًّا بإتاحة التّعبير، وعدم ممارسة التّمييز ضدّه. إلّا أنّه في عام 2005، أقرّت المحكمة العليا للولايات المتّحدة، بأنّ "حقوقنا في حرّية التّعبير عبر الإنترنت تنزلق في هدوء من بين أيدينا".
لقد أغفلت الكاتبة الحديث عن الطّموح الأميركي للسّيطرة على العالم؛ انطلاقًا من فرضيّةٍ مفادها بأنّ من يمتلك المعلومات، هو الأقدر على تحقيق السّيطرة العالميّة. وإذا كان لهذه الفرضيّة ما يبرّرها بالنّسبة إلى الولايات المتّحدة؛ فإنّ ذلك يرتبط بعوامل عدّة، ارتبطت بالتطوّر التكنولوجي في هذه الدّولة، وما قاد إليه من تطوّر في مجالات عدّة. أمّا باقي دول العالم، فلديها الكثير من المبرِّرات لرفض الإذعان لهذه الفرضيّة.
وكما هو معروف، فإنّ شبكة الإنترنت أميركيّة النّشأة. وقد أسّستها الولايات المتّحدة لخدمة وزارة الدّفاع، وتوسّعت لتربط مؤسّسات وشركات محلّية وعالميّة، ثمّ انتقلت إدارتها إلى القطاع الخاصّ. كان ذلك بعد أن ظهرت مع مطلع الألفيّة الثّالثة نزاعات دبلوماسيّة بشأن السّيطرة على شبكة الإنترنت، وتحويلها من سيطرة منظّمة "أيكانICAA1" (أميركيّة غير حكوميّة)[1] إلى سيطرة مؤسّسة دوليّة عالميّة؛ حتّى بات هناك من يتحدّث عن صراع المنظورات الذي يشبه صراع الحضارات. ولم تقتصر المُعارَضَةُ لقيادة أميركا شبكة الإنترنت على الدّول منفردةً؛ بل تحوّلت إلى جهدٍ جماعي، إثر تكليف الأمم المتّحدة -عن طريق أمينها العامّ السّابق كوفي عنان- فريق عمل يتألّف من أربعين شخصًا، للبحث في إدارة الإنترنت التي تتلخّص في:
-      إنشاء ما يُعرف بمجلس الإنترنت العالمي. وتكون أعضاؤه من الحكومات مهتمّة بالإشراف على الشّبكة، بدلًا من هيئة "آيكان" الأميركيّة.
-      تقوية دور اللّجنة الحكوميّة لهيئة "آيكان" نفسها؛ بحيث تصبح منتدًى رسميًّا حكوميًّا تكون مهمّته مناقشة قضايا الإنترنت.
-      تقليص صلاحيّات هيئة "آيكان"، إلى حدّ تقتصر فيه على الجانب التّقني، وإنشاء مجلس الإنترنت العالمي؛ بحيث لا يكون تابعًا للأمم المتّحدة، وإنّما يتبع هيئة دوليّة مستقلّة.
-      إنشاء ثلاثة كيانات: يختصّ الأوّل منها بنظام عنونة المواقع؛ ويكون الثاني غرفة مناقشات حول الإنترنت، تشارك فيها الحكومات ومؤسّسات غير ربحيّة ومنظّمات ممثّلة لعموم النّاس؛ ويقوم الثّالث بدور المنسّق بشأن القضايا ذات العلاقة بالسّياسة العامّة.
في هذا السّياق، أشارت الكاتبة إلى أنّه في عام 1998، تنازلت حكومة الولايات المتّحدة عن سيطرتها على إدارة البنية التحتيّة للإنترنت لصالح كيان خاصّ؛ وذلك من خلال خصخصة إدارة نظام اسم النّطاق، ونقل التحكّم لهذا النظام إلى مؤسّسة "آيكان". وتعدّ هذه المؤسّسة كيانًا خاصًّا، ولا ترتبط بأيّ حكومة أو كيان حكومي دولي. وقد منحتها الولايات المتّحدة سلطة وضع السّياسات المنظّمة للتعبير عبر الإنترنت. وعليه، فقد حظيت "آيكان" وأولئك الذين تفوِّضهم في تنظيم اسم النّطاق، بسيطرة واسعة على البنية التحتيّة للتّعبير وكذلك على التّعبير نفسه عبر الإنترنت. و تتحكّم "آيكان" في نظام أسماء النطاقات، الذي يترجَم بدوره إلى تحكّم في الاستحواذ على المواقع وصيانتها؛ ممّا يؤدّي في النّهاية إلى تحكّم في التعبير عبر الإنترنت. وعليه، فإنّ "آيكان" ومسجّلي أسماء النّطاقات من ذوي السّلطة -مثل شركة NSI- يحظون بسيطرة محكمة على البنية التحتيّة للإنترنت.

ما العمل إذن؟
تحاول الكاتبة الإجابة عن هذا السّؤال من باب أنّ شبكة الإنترنت تمثّل منتدى غير مسبوق للتّعبير. ولأنّ تلك الشّبكة قد أُنشِئت بالأساس لتأدية أغراض تعبيريّة خاصّة بالحكومة الأميركيّة؛ فإنّ الكاتبة ترى أنّه على المحاكم أن تقرّر أنّ إدارة التعبير والتحكّم فيه عبر الإنترنت عمومًا يمثّل "وظيفة عامّة"، وأنّه على المحاكم أن تمحّص بدقّة ما إذا كان عليها أن تُخضع هذه الكيانات للمساءلة بشأن التعبير، وفقًا للتّعديل الأوّل للدستور الأميركي الضّامن للحرّيات الفرديّة والعامّة. إلّا أنّ الكاتبة ترى أنّ مبدأ تدخّل الدولة، لم يفلح في إلزام منظّمي التعبير على الإنترنت بالمعايير اللازمة لحماية حقوق حرّية التّعبير. وهي تدعو إلى إعادة النّظر في هذا القانون، وإعادة تشكيله؛ بحيث يركِّز على مدى سلطة المنظّم على التّعبير، ويوازن بين المصالح المشروعة للمنظّم من جهة، وبين مصالح ممارس التّعبير المفترض من جهة أخرى. وتقدّم الكاتبة الدّفع القانوني التالي: بتطبيق مبدأ تدخّل الدّولة في سياق الإنترنت؛ ينبغي للمحاكم أن تصل إلى خلاصة تتمثّل في أنّ شبكة الإنترنت نفسها، هي المعادل الوظيفي للمنتدى العامّ، منتدى للتّعبير، مثلما هي الحال مع الشّوارع العامّة وأرصفة المشاة والمتنزّهات. وهي تحظى بخاصّية السّماح بالتعبير على نحوٍ واسع. وهذا ينطبق على محرّكات البحث. ونظرًا إلى السّلطة الهائلة والمطلقة التي تمارسها محرّكات بحث مهيمنة مثل "غوغل" على منتديات التعبير؛ فإنّ نونسياتو تعتقد أنّه من المفروض على الكونغرس أن يسنّ تشريعًا، يخوِّل له فرض قواعد تنظيميّة على محرّكات البحث المهيمنة، وأن يلزمها بإمكانيّة الوصول إلى محتوى الإنترنت على نحوٍ فعّال ودونما رقابة، كما يحظر عليها  التلاعب المتعمَّد بنتائج البحث على أساسٍ شخصيّ. وترى الكاتبة الأميركيّة أنّ سوق التعبير الجماهيري الأكثر تشاركيّة - على الرغم من العدد القليل من هذه الشركات التي تعمل حارسة لبوّابات التعبير على الإنترنت- ينبغي أن تنظَّم؛ حتّى تعمل كمضيفات جيّدات داخل هذه السّوق الخالية من التّمييز والرّقابة، وحتّى تضمن التزامها بقيم حرّية التعبير التي لا غنى عنها في إتاحة الفرصة للنّقاشات العامّة والمشاورات المطلعة التي يقتضيها النّظام الديمقراطي.
 وتدعو نونسياتو الكونغرس الأميركي إلى أن يسنّ تشريعا، يحظر (أو يلزم مفوّضيّة الاتّصالات الفيدرالية بأن تحظر) على مزوّدي النّطاق العريض حجب أيّ محتوى أو تطبيقات قانونيّة، وكذلك الانخراط في منح الأولويّة التمييزيّة أو خفض الرّتبة لمثل ذلك المحتوى أو التّطبيقات. كما ينبغي لمثل هذا التّشريع -بحسب الكاتبة- أن ينصّ على الشّفافية في الحجب، أو خفض الرّتبة. وتسهب الكاتبة في دعوة الكونغرس إلى سنّ تشريع، يسمح بتنظيم محرّكات البحث المهيمنة مثل "غوغل"؛ على نحوٍ يحظر عليها التّلاعب بنتائج البحث على أساسٍ فرديّ، ويلزمها بتأمين وصولٍ فعّالٍ وغير خاضع للرّقابة على المعلومة أيًّا كانت.
وقد بدأت الكاتبة في مقدّمة كتابها بدعوة إلى العمل، أو بصيحة إيقاظ موجَّهة لكلّ من يساورهم الشكّ في "حقوقنا" (وهي إشارة إلى المجتمع الأميركي) المتعلّقة بحرّية التعبير كمواطنين أميركيّين في هذا المنتدى غير المسبوق للتعبير؛ فإنّه ينبغي للمحاكم وراسمي السّياسات أن ينتهجوا مفهومًا إيجابيًّا للتّعديل الأوّل للدّستور في عصر الإنترنت. واختتمت كتابها أيضًا بدعوة لتحقيق الوعد بأنّ الإنترنت ستكون "سوقًا للتعبير الاجتماعي الأكثر تشاركيّة". فهذا العدد القليل من الشّركات التي تعمل حارسة على بوّابات التعبير عبر الإنترنت، ينبغي أن تنظَّم. ويمكن لها أن تواجه بحملات ضغط عليها من المجتمع المدني الأميركي!. وتدعو الكاتبة الحكومات إلى أن تفرض على مزوِّدي خدمات الإنترنت الواجب القانوني، المتمثِّل في تيسير وصول المستخدمين إلى كلّ المحتويات التي تكون قانونيّة في تلك البلاد. وعلى الحكومات أن تطالب المزوِّدين بالعمل كقنوات حياديّة تجاه تلك المحتويات؛ دون اللّجوء إلى الحجب الرّقابي، أو التّمييز، وتيسير تبادل المعلومات "المشروعة" دون تمييز أو حجب رقابي.

ماذا عن العالم العربي مثلًا؟
يبدو أنّ الكاتبة أَغْفَلَت (أو غفلت عن) الحديث عن "العالم الآخر"، وعمّن ليسوا أميركيّين أو مواطنين أميركيّين. وعليه، فإنّ الحديث عن حقّ أولئك في التعبير، ليس ممّا يشغل القانوني الأميركي ومؤسّسات المجتمع الحقوقيّة، كما أنّه ليس من شواغل السّياسي الأميركي بالتّأكيد. ولربّما يكون من المثير للاهتمام رؤية السّياسي الأميركي يتضامن مع المواطن العربي في الوصول إلى المعلومة دون رقابة، أو التّعبير دون غربلة من جهاز السّياسة والمصلحة القوميّة.
ومن المعروف أنّ ثمّة توّاقين لحرّية التعبير في العالم ككلّ؛ فالمعطيات تشير إلى أنّه في عام 2015، سيستطيع نحو 3.5 مليار فرد، أي نصف سكّان العالم، الدخول إلى شبكة الإنترنت.  وستُعَدّ هذه الشّبكة الوسيلة الأكثر روعةً لكسر الحدود، وهدم الجدران التي تفصل بين الدّول والبشر. وبالنّسبة إلى الشّعوب التي تعاني القهر، والتي حرمت من حقِّها في التّعبير عن نفسها وعن حقّها في اختيار مستقبلها؛ فإنّ شبكة الإنترنت تمكّنها من أن تتجاوز حتّى آمالها. ففي غضون دقائق، من الممكن نشر الأخبار والصّور التي يجري تسجيلها على أجهزة الهواتف المحمولة إلى جميع أنحاء العالم عبر الإنترنت. ومن الصّعوبة بمكان، إخفاء مظاهرة عامّة؛ بوصفه إحدى صور القمع وانتهاك حقوق الإنسان. ولقد أدّت شبكة الإنترنت وأجهزة الهاتف المحمول في الدول الاستبداديّة والقمعيّة، إلى سماع صوت الرأي العامّ والمجتمع المدني. كما وفّرت للمواطنين وسيلة مهمّة للغاية للتعبير عن الرّأي، على الرّغم من جميع القيود المفروضة. وعليه، فإذا كانت قضيّة الإنترنت والأمن الإلكتروني، تمثّل مشكلة داخليّة ملحّة في الدّاخل الأميركي، وإذا وجدت دعوات -منها دعوة نونسياتو- تنادي بتنظيم الإنترنت، وتعزيز حرّية التعبير عليه؛ فإنّ هذه المسألة لا تقلّ أهمّية في المجتمعات والدول الأخرى خاصّةً العربيّة منها. فثمّة أكثر من نظام سياسي في العالم العربي، جنح -أو يجنح- إلى محاولة الحدّ من دخول مواطنيه إلى الإنترنت، وخاصّةً من استعمال بعض مواقع التّواصل الاجتماعي؛ حتّى أضحى التّعتيم والرّقابة والحجب والملاحقة القانونيّة، من الأدوات التي أضافها البوليس السّياسي إلى وسائله في أكثر من دولة عربيّة. فحرّية التعبير على الإنترنت والقوانين الدستوريّة المتعلّقة بها مطروحةٌ الآن بشكل ملحٍّ؛ سواء كان ذلك على السّاحة الإقليميّة بسبب الرّبيع العربيّ، أو على السّاحة العالميّة نظرًا للجدل المحتدم بين من يعطي أولويّة مطلقة لتقاسم المعارف والمعلومات دون قيدٍ أو شرط، وبين من يرى وجوب التّقنين لحماية الملكيّة الفكريّة من القرصنة وحماية المصالح التجاريّة للشركات متعدّدة الجنسيّة. وإذا كانت دعوة نونسياتو موجَّهة للفقهاء والدّستوريّين الأميركيّين؛ فإنّ القضيّة نفسها، تكتسي أهمّية بالغة في العالم العربي اليوم، لأنّها تتزامن مع حركة البناء الدّستوري، أو مع عمليّة تنقيح الدّساتير وصياغتها في عددٍ من الدّول العربيّة، مثل مصر وتونس وليبيا والمغرب وموريتانيا. وتمثّل مسألة تضمين حرّية التّعبير -ومنها حرّية الدّخول إلى الإنترنت- سؤالًا ملحًّا على المكلّفين بصياغة تلك الموادّ، أو تنقيح تلك الدّساتير، كضمان لدستوريّة حرّية الإنترنت. ويتأكّد ذلك بالخصوص، بعد أن أثبتت سياسة التّعتيم والقمع فشلها. من هنا، لا بدّ من ضرورة اتّخاذ خطوة تكون بمنزلة الحلّ لإرساء شفافيّة تداول المعلومات، خاصّةً في ظلّ التحوّل الديمقراطي الذي يشهده عددٌ من الدّول العربيّة. ويتمثّل في صياغة قانون ينظّم عمليّة تداول المعلومات والإفصاح عنها.
وهناك مسألة أخرى تُطرح، وهي أنّ هناك مهمّة أخرى أمام الإدارة الأميركيّة من أجل إعادة النّظر في الدّور العالمي للشّبكة العنكبوتيّة. وتتمثّل في وضع ضوابطَ تحدّ من سوء استغلالها، وضرورة الانفتاح على العالم، والقبول بإرساء الحقّ في المشاركة في إدارة الإنترنت، وتنظيم المنافسة ضمن قواعد عقد أخلاقي متوافق عليه. فهناك دول كبيرة تطمح إلى الاستفادة القصوى من الإنترنت؛ وهو ما يزيد من حجم المنافسة على الشّبكة.
وفي هذا السّياق، يثار السّؤالان التاليان: هل مسألة إبقاء الإنترنت كفضاءٍ رقميٍّ عالميّ، يمثّل البيئة الجديدة لنشوء المجتمعات الإنسانيّة- الإلكترونيّة، وتطوّرها تحت سيطرة دولة واحدة، ترضي بقيّة دول العالم؟ أم أنّ هذا الأمر له علاقة مباشرة ببسط الهيمنة والتحكّم في مقدرات الشّعوب المعلوماتيّة بأنواعها؟
المسألة الأخرى التي لم تتطرّق إليها الكاتبة، والتي تؤاخذ عليها في تقديري؛ هي أنّ العالم بعد 11 سبتمبر قد تغيّر، وأنّ مراقبة الإنترنت والبريد الإلكتروني من جانب الدّوائر الأمنيّة والاستخباريّة والعسكرية قد زادت أضعافًا إلى حدّ هذا اليوم. وعليه، فإنّ وزارة الدّفاع الأميركيّة تستخدم الرّقابة على الإنترنت في المحتوى، والاتّصال لنشر الدّعايات المضلّلة، والسّيطرة على منافذ المعلومات في أغلب بقاع العالم. وهنا تنبّهنا الكاتبة بالفعل إلى أنّ حرّية التعبير عبر الإنترنت، تنزلق بهدوء من بين أيدي المواطنين الأميركيّين. كما تلفت انتباهنا إلى أنّ تقنيات الاتّصال الحديثة، أسفرت عن تعقيدات إضافيّة داخل الولايات المتّحدة نفسها التي أصبحت تواجه مشكلة سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة، بفعل سيطرة شركات المعلوماتيّة على الاقتصاد الأميركي، ونشوء طبقة اجتماعيّة تفتقر إلى الولاء للدّولة، وتنشر استثماراتها خارج الولايات المتّحدة. وحتّى لو تنازلت الحكومة الأميركيّة طوعًا أو كرهًا -بفعل الانتقادات- عن سيطرتها التامّة على الإنترنت لحفنة من الشّركات الخاصّة التي تدير الشّبكة العنكبوتيّة؛ فإنّها ستبقى مسيطرةً على الإنترنت بصورةٍ أو بأخرى، وخارج السّياق الذي جاءت به الكاتبة إذا ما اتّصل الموضوع بقضيّة الأمن الحيوي والقومي للولايات المتّحدة الأميركيّة.
وعلى الرّغم من أنّ الجدل يظلّ محتدمًا بشأن حرّية التعبير ومداها القانوني والأخلاقي،  في إطار التّداخل والتّشابك بين الأخلاقيّات والتشريعات القانونيّة والدستوريّة من جهة، وبين جنوح الممارسة الإعلاميّة والانحراف التّشريعي من جهة أخرى؛ فإنّ أهمّية هذا الكتاب في عمومه، تبقى محاولة لتناول موضوع الحرّية والرّقابة على الإنترنت. وهو حقل ما زال يتّسع للكثير من الأبحاث والدّراسات والمؤلّفات؛ حتّى يؤتي ثماره، وحتّى يُفهم واقع الحرّية الافتراضيّة على الإنترنت، ويُفهم أنّ الولايات المتّحدة الأميركية هي المستمرّة إلى حدّ الآن في الإشراف على التكنولوجيات المختلفة، والتي تقوم بإدارة الإنترنت من خلال شركات خاصّة أميركية تهيمن على هذا المجال. ولا نبالغ إن قلنا إنّ هذا الكتاب يكتسب أهميّته أيضًا، من أهمّية المكانة التي يحتلّها الفضاء الافتراضي والرّقمي في حياة المجتمعات الحديثة؛ وذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تأثير هذا الفضاء في حياة النّاس، بشكلٍ أجبر المنظّرين له على إعادة النظر في المفهوم التّقليدي للحرّية. فهي لم تعد تعني أن يكون الشّخص خارج القضبان أو يفسح له المجال للحديث والتّعبير؛ بل أصبح من الممكن تعريف الحرّية أيضًا على أنّها ببساطة: الجلوس أمام شاشة الحاسوب الموصول بالإنترنت!
وهذا ما يثير الفروق الجوهريّة بين الإنترنت، كممارسة للحرّية في بلدان متقدّمة؛ وبين كونها إحدى الوسائل التقنية والمعرفيّة في مجال العمل من أجل الحرّية الحقيقيّة، وليس الحرّية الافتراضيّة فقط.


[1]  آيكان (بالإنجليزية: ICANN) اختصارا لـ Internet Corporation for Assigned Names and Numbers: هي منظمة غير ربحية، تأسّست عام 1998. يقع مقرّها في كاليفورنيا، وهي مختصّة في توزيع وإدارة عناوين الآي بي وأسماء المجال وتخصيص أسماء المواقع العليا (ومثال ذلك: .info، و com وغيرهما) في جميع أنحاء العالم. ولها وظيفة إدارة الموارد الرئيسة للبنية التحتيّة للشبكة مثل الحواسيب القاعديّة root servers.
بحث حول النصوص التشريعية للإعلام والإتصال في الجزائر

بحث حول النصوص والقوانين التشريعية
الإعلام والإتصال

خطة البحــث
üمقدمة
üالمبحث الأول : مفاهيم عامة عن حرية الإعلام والاتصال
المطلب الأول : مفهوم حرية الإعلام والاتصال
المطلب الثاني: مبادئ حرية الإعلام والإتصال وعناصرها وأبعادها
المطلب الثالث : عوائق وقيود حرية الإعلام
üالمبحث الثاني: حرية الإعلام والاتصال من خلال التشريعات العالمية والقانون الجزائري.
المطلب الأول: لائحة 1789 (الثورة الفرنسية وحرية الإعلام )
المطلب الثاني: قانون 1881 (منع الرقابة على الصحفي )
المطلب الثالث: لائحة 1948 (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان )
المطلب الرابع: حرية الإعلام في الجزائر(قوانين 1982 و1990
üخاتمة





قائمة المراجع
مدخل إلى علوم الإعلام والإتصال , زهير احدادن , ديوان المطبوعات الجامعية 1999
حرية الإعلام بين النظرية والتطبيق , فاروق محمد أبو زيد دار المنار لبنان 1987
دراسات في الصحافة والإعلام , تيسير أبو عرجة
جهينة المكاوي , حرية الفرد وحرية الصحافة1981
النشرة الرسمية للنصوص التشريعية المتعلقة بالإعلام والإتصال 1982 , 1990
موقع سكاي ديزاد : www.alg17.com


المقدمة:

إذا كانت المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتكنولوجية قد غيرت وجه العالم من عدة أبواب فإن الإعلام قد ساهم وبشكل رئيسي في ذلك سواء عن طريق الإعلاميين المهتمين بالتغيرات المختلفة على مضامين الحياة في المجتمعات المحلية منها والعالمية أو عن طريق وسائل الإعلام التي تزايد دورها في حياتنا المعاصرة حتى غدا الإعلام شريكا رئيسيا في ترتيب أوليات الاهتمامات مؤثرا على عملية إصدار الأحكام.

وإذا كنا قد تكلمنا عن هذا الجانب الخاص بالإعلام ومدى تأثيره على العالم بوجه عام فإنه يجدر بنا الإشارة إلى حرية الإعلام وأن نناقش موضوعها بشجاعة واهتمام وأن نطرق كل الأبواب التي تمهد لنا الطريق لمعرفة مفاهيم هذه الحرية وممارستها ومضامينها ومسؤولياتها وإذا كان العالم قد مسه انبثاق المتغيرات المختلفة فإن الإعلام قد مسه إشعاع مختلف القوانين واللوائح التي تؤكد على حرية الإعلام وحرية الصحافة وتدعوا إلى إعطاء معنى أوسع لهذه الحرية في الحياة الإعلامية من جهة ومن جهة أخرى إعطاء نظرة إيجابية للالتزام بالمبادئ الأخلاقية لمهنة الصحافة.

فحرية الإعلام تمثل الواجهة التي تنطلق منها نقطة بداية الإعلام من حيث توزيع المعلومات وتغطية الإحداث ومناقشة القضايا وهذا ما يرمي بنا إلى طرح الإشكال الأتي:
ما هي حرية الإعلام؟ وما هي أهم التشريعات والقوانين الخاصة بحرية الإعلام والإتصال ؟

المبحث الأول : مفاهيم عامة عن حرية الإعلام والإتصال .
المطلب الأول: مفهوم حرية الإعلام والإتصال

إن التعرض لموضوع حرية الإعلام يقتضي منا في البداية تقديم تعريفا للإعلام

فالإعلام كمفهوم يعرف من جانبين لغة: هو كلمة مشتقة من الفعل علم أو خبر وتقول العرب استعلمه الخبر وهو الذي يطلقه العلماء عن عملية الإعلام ويقابل نقل الخبر في المفهوم الفرنسي والإنجليزي كلمة «INFORMATIO» وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور "زهير إحدادن" أن »كلمة الإعلام مشتقة من العلم والتي تعني نقل الخبر « [1]
أما اصطلاحا: تعني كلمة إعلام نشر الأخبار والوقائع والمعلومات لكافة أفراد المجتمع ويرى الدكتور عبد اللطيف حمزة أن الإعلام هو » تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة « بينما يرى الباحث الألماني "أتجورت" »بأنه التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت « ويقول "فرنان تيرو" أن الإعلام هو »نشر الوقائع والآراء في صيغة مناسبة بواسطة ألفاظ وأصوات وصور وبصفة عامة بواسطة جميع العلامات التي يفهمها الجمهور « وهناك تعريف كامل وشامل للإعلام وهو الذي جاء على لسان الباحث العربي الدكتور "سمير حسين": » أنه كافة أوجه النشاطات الاتصالية التي تستهدف تزويد الناس بكافة الحقائق والأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة عن القضايا والمواضيع والمشكلات ومجريات الأمور بموضوعية وبدون تحريف بما يؤدي إلى خلق أكبر درجة ممكنة من المعرفة والوعي والإدراك والإحاطة الشاملة لدى فئات الجمهور المتلقين للمادة الإعلامية بكافة الحقائق والمعلومات الموضوعية الصحيحة بما يسهم في تنوير الرأي العام وتكوين الرأي الصائب لدى الجمهور في الواقع والموضوعات والمشكلات المثارة والمطروحة « [2]

إذن الإعلام بمفهومه البسيط هو نشر الوقائع والآراء والأحداث في صيغ مناسبة، مسموعة أو مرئية وبواسطة الرموز والوسائل التي يفهمها ويتقبلها الجمهور وهو بذلك يكون أداة الاتصال الحضارية تخدم المجتمع البشري خدمة جليلة وتقرب المفاهيم وتشيع بينهم الأخبار والوقائع للتكيف إزاءها واتخاذ ما يناسب من مواقف ولا يتأتى هذا إلا بوجود حرية إعلامية موجهة للمستقبل الذي بدوره له الحق في الإعلام Le droit d’information حيث يقال ((أن الحرية في ذاتها تشبه العملة التي يتداولها الناس في الأسواق ولعملة الحرية وجهان أولها الرأي العام وثانيها الإعلام)) والمعنى المقصود من هذه المقولة هو أن المناقشة الحرة هي الشرط الأول في الوصول لحرية الإعلام.
أما حرية الإعلام والصحافة فقد أصبحت بديهية لا ينازع فيها أحد وضمانها نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونصوص الدساتير المتتابعة والتي تأكدت بصفة خاصة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر سنة 1948 وتفسير معنى حرية التعبير يختلف اختلافا كبيرا عند التطبيق من دولة إلى أخرى إذ تعتبر بعض النظم السياسية أن حرية الإعلام والصحافة هي حجر الزاوية في الديمقراطية وتحميها بالقانون، في حين قد تقيد هذه الحرية في بعض النظم الأخرى وفق ما تراه السلطة الحاكمة ملبية الاحتياجات الوطنية من وجهة نظرها، كما أنها قد تعتبر أنه لا حرية لأعداء الدولة.
وحرية الإعلام والصحافة تعني حق الحصول على المعلومات من أي مصدر ونقلها وتبادلها والحق في نشر الأفكار والآراء وتبادلها دون قيود والحق في إصدار الصحف وعدم فرض رقابة مسبقة على ما تقدمه وسائل الإعلام إلا في أضيق الحدود وفيما يتصل بالأمن القومي ـ مع تحديد نطاق ذلك ـ والأمور العسكرية وما يتصل بحرمة الآداب العامة.
وحرية الصحافة والإعلام تعني مجموعة من الأمور:
1.عدم خضوع وسائل الإعلام لرقابة سابقة من جانب السلطة ولا تقبل هذه الرقابة في جميع الأحوال حتى في الظروف الاستثنائية كحالات الحرب والطوارئ إلا على مضض وفي أضيق الحدود.
2.تقييد ـ قدر الإمكان ـ المجال الذي يكون في وسع المشرع فيه إيراد تشريعات تجرم ما لا يستلزم صالح المجتمع تجريمه، وهذا يعني أن الحرية المعترف بها للفرد ليست مطلقة وإنما تحددها القوانين القائمة والتي يعد الفرد إذا انتهكها مسؤولا مدنيا وجنائيا.
3.حق الأفراد والجماعات في إصدار الصحف دون اعتراض السلطة.
4.حرية وسائل الإعلام في استقاء الأنباء ونقلها وحرية الرجوع إلى مصادر المعلومات.
5.حرية التعبير عن الآراء.
ضمانات حرية الإعلام:
·تأكيد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، فلا تستبد السلطة التنفيذية بالصحافة والإعلام فتقيدهما ولا تصدر السلطة التشريعية ما يتنافى مع روح الدستور في تأكيد هذه الحرية ويكون من حق القضاء الدفع بعدم دستورية القوانين المخالفة وتحد من غلواء السلطة التنفيذية.
·الرقابة القضائية.
·وجود نظام نيابي ديموقراطي يستند إلى رأي عام قوي.
·صلاح الحاكم وعدله.
·الحماية الخاصة للرأي خاصة السياسي.
·إتاحة الفرصة لمختلف وجهات النظر في التعبير عن آرائهم ونشرها في وسائل الاتصال.
·التعددية في وسائل الاتصال والإعلام.
·التنوع في الاتجاهات فيما يقدم من مضامين في وسائل الاتصال والإعلام.
المطلب الثاني :مبادئ حرية الإعلام والإتصال وعناصرها وأبعادها:
مبادئ حرية الإعلام تتلخص في ثلاثة مبادئ أساسية ورئيسية مهمة جدا يجب توفيرها لتحقيق المعنى الأسمى والمقصود من حرية الإعلام
وقد حددها الأستاذ "فرانسيس بال" فيما يلي:
1إن حرية الإعلام حرية شرعية يحددها القانون ولا يمكن لأي مؤسسة إعلامية أن تتجاوز القانون ولا نشاط لها إلا داخل الإطار القانوني.
2 حرية الإعلام تقتضي بأن يكون لكل مواطن الحق في إنشاء صحيفة وإنشاء مؤسسة إعلامية وهذه المؤسسة تخضع للقانون العام والنظام الشرعي.
3 إن الدولة لا تتدخل مباشرة في شؤون الصحافة وأن الإعانة التي تقدمها الدولة لهذا القطاع يجب أن توزع بكيفية تضمن للصحف في المؤسسات البقاء والاستمرار نظرا لكون المؤسسة الإعلامية عنصر نشط يعمل للمصلحة العامة وبهذا يصبح الحكم القائم عونا للمؤسسة الإعلامية لا عدوا لها كما كان من قبل.
يمكن الإشارة إلى أن حرية الإعلام تكون مثلثا أحد أضلاعه حقوق وضمانات الإعلاميين وواجباتهم وضلعه الثاني حقوق الجمهور، أما قاعدته فتتصل بالضمانات والمسؤوليات الخاصة بوسيلة الإعلام نفسها. كما أن الحرية ليست مطلقة، وأن الوجه المقابل لها هو المسؤولية.
ونفسر ذلك فيما يلي:
أولا: عناصر حرية الإعلام بالنسبة للإعلامي أو المهني:
1- حقوق المهنيين وضمانات حمايتهم:
يمكن لأي مواطن في ظل النظم السياسية الليبرالية أن يعمل في مهنة الصحافة والاتصال، ويتسع حق حرية التعبير ليشمل حق حرية النشر والعمل في وسائل الاتصال دون قيود أو عقبات أو اعتبارات سابقة تحكم ذلك.
وكان يشترط أن يتمتع من يسمح له بالعمل في مهنة من مهن الاتصال في الدول الاشتراكية (سابقا) بثقة سياسية، وفي حالات كثيرة يشترط أن يكون من بين الكوادر الحزبية.
ولا تسمح بعض الدول بالعمل في مهنة الاتصال إلا للحاصلين على عضوية الاتحادات أو النقابات المهنية الخاصة بالاتصال.

وأيا كان النظام الذي يعمل الصحفي في إطاره فلابد أن ينظر للصحفي على أنه في الأصل صاحب رأي وضمير، وأن يتم التعاقد معه على هذه الصفة فلا يجوز أن يعامل على أنه مجرد عامل خاضع لصاحب العمل أو على أنه موظف يتدرج في السلم الإداري.

وهذا ما يسمى (بشرط الضمير) وفي ضوئه يحق للصحفي أن يطالب بإعلامه بأي تغيرات تحدث في ملكية صحيفته أو داخلها.

ويمكن أن تجمل حقوق الصحفي أو المهني في مجال الاتصال في أمرين:
*- ضمانات اقتصادية.
*- ضمانات تتعلق بممارسة المهنة.

أ/ الضمانات الاقتصادية:
وتتعلق بضمان مستوى معيشي لائق للمهنيين وتنظيم حقوقهم المالية والوظيفية بما يمنع عنهم الظلم أو الغبن ويمكن إجمالها فيما يلي:

vضمانات خاصة بمستوى الأجور والعلاوات وتنظيم ساعات العمل والإجازات والإنذار السابق على إنهاء الخدمة
vضمانات خاصة بحقوق المهني في المعاش ومكافآت نهاية الخدمة. وعلى الرغم من أن هاتين المسألتين تتمان عادة وفقا لاتفاقيات جماعية بين النقابات والإدارات الصحفية إلا أن بعض البلدان تعتبرها جزءا من التشريعات الوطنية أو الإجراءات التنظيمية.
vعدم جواز نقل الصحفي من عمله لعمل آخر رغما عن إرادته.
vحماية الصحفي من اضطهاد رئيس التحرير أو رؤسائه المباشرين وفي مواجهة صاحب العمل (في حالة الصحافة الخاصة
vتمتد هذه الحقوق أحيانا لتشمل حق الصحفي في الاشتراك في الإدارة الذاتية لصحيفته وفي عملية اتخاذ القرارات بها.[3]

ب/ ضمانات تتعلق بممارسة المهنة:
وتتصل بالحقوق والمزايا والحاصانات التي ينبغي توفيرها للمهني حتى يتمكن من أداء عمله بالشكل المناسب وحمايته من المخاطر أو الأضرار التي قد يتعرض لها أثناء ممارسة مهنته بما يتلاءم مع الطبيعة الخاصة لمهنة الإعلاميين، ومن هذه الضمانات:
§أن يتمتع الصحافيون وغيرهم من العاملين في وسائل الاتصال الذين يمارسون عملهم في بلادهم أو خارجها بحماية تكفل لهم أفضل الظروف لممارسة مهنتهم.
§وفي هذا الإطار ينبغي حماية الصحفي (أو الإعلامي) من التعرض للإيذاء البدني كالسجن والاعتقال والتعذيب والاختطاف والقتل وغير ذلك.
§توفير الإمكانيات للصحفي (أو الإعلامي) للوصول إلى المعلومات والحصول عليها والإطلاع على الوثائق والبيانات، والرجوع لمصدر الأخبار الرسمية وغير الرسمية على السواء، دون التحجج لمنعهم من ذلك بأمور غامضة مثل أسرار رسمية ـ معلومات سرية ـ الأمن ـ قائمة المحظورات كحظر نشر بعض جلسات المحاكم أو بعض القرارات أو أي موضوع يتصل بأمن الدولة.
§تأكيد المكانة الرفيعة للصحفيين والإذاعيين وإعطاؤهم الحصانة الملائمة لطبيعة عملهم وحاجتهم للحماية من كافة الضغوطات الداخلية والخارجية التي قد يتعرضون لها لإجبارهم على عمل ما لا يتفق مع ضمائرهم أو حملهم على تقديم رواية ما غير صحيحة أو محرفة.
§حق الإعلاميين في التعبير عن آرائهم بحرية.
§ضمان حرية الحركة للصحفيين (أو الإعلاميين) وحرية نقل المعلومات دون عقبات أو عراقيل.
§حماية المراسلين العاملين في بلاد أجنبية من الإجراءات الانتقامية التي قد تتخذ ضدهم كسوء المعاملة أو الاعتقال أو القتل أو التعذيب أو الطرد إذا ما أرسلوا تقارير لا ترضى البلد التي يعملون بها وترى أنها تتضمن ما يسيء إليها أو يؤثر على مصلحتها وعلاقاتها بغيرها من الدول.
§ضمان حق الصحفي (أو الإعلامي) في الاحتفاظ بسر المهنة.
§إحاطة مساءلة الصحفي التأديبية ـ في حالة اتهامه بارتكاب أي جريمة أو خطأ من نوع ما ـ بضمانات كافية، مع ضمان أن تتم هذه المساءلة أولا أمام نقابته.

ولا يزال نص الاتفاقية التي أعدتها الأمم المتحدة فيما يتعلق بحماية الصحفيين الذين يقومون بمهام خطرة مجرد مشروع، ونفس الأمر بالنسبة للاتفاقية التي أعدها مجلس أوروبا بشأن المراسلين الأجانب.

وإن كان الإعلان الخاص بوسائل إعلام الجماهير الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في دورته سنة 1978 ينص في مادته الثانية على كفالة أفضل الظروف للصحفيين وغيرهم من العاملين في وسائل الإعلام الذين يمارسون أنشطتهم في بلادهم أو خارجها لممارسة مهنتهم.

وقد أبديت تحفظات حول هذه المسائل في ندوتين عقدتا في ستوكهولم (أبريل 1978) وباريس (مايو1979) وترتكز على أساس مبدأ أنه لا يجدر بالصحفيين أن يبحثوا عن امتيازات أو مزايا تتيح لهم وضعا فريدا، كما أن هناك وجهة نظر بين العاملين في المهنة ذاتها ترى أن مثل هذه التدابير التي قد تتخذ لحماية الصحفيين قد تستغل في الوقت نفسه كمبرر للتدخل في عمل الصحفيين ومراقبتهم، إذ تثار هنا مسألة نظام منح الترخيص بمزاولة المهنة حتى يصبح في استطاعة السلطات تحديد من هو الصحفي، ومن هو غير الصحفي، ويؤدي هذا إلى انتهاك مبدأ أن للصحفي هوية مهنية بحكم عمله ذاته أو بحكم عضويته في نقابته أو رابطته المهنية.

والترخيص يعني موافقة رسمية من جانب الحكومة على الممارسة الفردية لمهنة الصحفي.

بينما يبرر الذين يحبذون وضع تعريف قانوني للصحفي المحترف وتحديد شروط العمل في المهنة رأيهم بأن هذه التنظيمات تحمي الصحفيين إذ تتضمن النص على مختلف الحقوق والضمانات والاحتياطات الواقية لهم.[4]

2-التزامات المهنيين وواجباتهم:
إلى جانب ما يتمتع به المهنيون من حقوق وضمانات عليهم أن يلتزموا في المقابل بمجموعة من المسؤوليات والواجبات أثناء ممارستهم لمهنتهم تتمثل في أربع أنواع:
(أ )التزامات ومسؤوليات المهنة.
(ب)التزامات ومسؤوليات أخلاقية.
(ج)التزامات قانونية.
(د )التزامات ومسؤوليات اجتماعية.

(أ‌)التزامات ومسؤوليات مهنية:
أي المسؤوليات الخاصة بطبيعة المهنة وأسلوب أدائها، وتتمثل في
«نقل الأنباء بدقة دون تحريف أو تشويه، وذكر الحقيقة من دون مراوغة أو تستر لا مبرر له.
«الالتزام ـ قدر الإمكان ـ بالموضوعية والصدق.
«عدم الخلط بين الرأي والخبر.
«الحرص على العمل من أجل التدفق الحر والمتوازن للإعلام.
«التحقق من صدق الخبر وصحته. وعدم نشر معلومات زائفة أو غير مؤكدة أو لأهداف دعائية.
«احترام أسرار المهنة.
«هناك التزامات خاصة بالمراسلين الذين يعملون في البلاد الأجنبية بأن تكون كتاباتهم عن هذه البلاد دقيقة وعادلة.
«هناك بعض التزامات المهنية الإضافية يفرضها التطور التكنولوجي وتتمثل في بعض القواعد التي ينبغي أن يلتزم بها العاملون في بنوك المعلومات أهمها:
الحفاظ على أسرار المهنة والالتزام بعدم التصريح بالإطلاع على معلومات معينة إلا للمصرح لخم بذلك فقط.
الحصول على موافقة الشخص الذي يتم تخزين المعلومات عنه ـ عدا في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة كالأمن القومي والإجراءات الجنائية ـ وبصفة خاصة بالنسبة للبيانات الخاصة بالآراء السياسية والدينية والعنصرية والأصول العرقية.

ب‌)التزامات ومسئوليات أخلاقية:
أي المسؤوليات المتعلقة بمدى الالتزام بأخلاقيات المهنية، ويدخل في هذا:
«التزام الصحفي بمستوى أخلاقي عال، وبحيث يتمتع بالنزاهة ويمتنع عن كل ما يسيء لمهنته كأن يكون دافعه للكتابة مصلحة شخصية على حساب الصالح العام، أو من أجل منفعة مادية.
«وعليه في هذا الإطار أن يمتنع عن العمل مع أجهزة المخابرات لتزويدها بالمعلومات والقيام بأعمال التجسس لحسابها تحت ستار واجباته المهنية.
وقد اعتبرت اللجنة الدولية لدراسة مشكلات الاتصال (لجنة ماكبرايد) هذه العمالة للمخابرات أمرا بغيضا يمكن أن يقوض المهنة تماما، وأعلنت اتحادات الصحفيين مرارا أن قيام الأعضاء بأداء خدمات أو قبول مكافآت من أي مصدر آخر غير صاحب عملهم المعروف هو تصرف غير أخلاقي.
«احترام كرامة البشر وسمعتهم.
«عدم التعرض للحياة الخاصة للأفراد وجعلها بمنأى عن العلانية.

ج) التزامات قانونية:
وهي مجموعة الالتزامات التي يفرضها على المهنيين القانون ويعاقبهم جنائيا في حالة مخالفتها، ويمكن إجمالها على النحو التالي:
«الالتزام بأحكام القانون.
«الامتناع عن التشهير أو الاتهام بالباطل والقذف والسب.
«عدم انتحال آراء الغير ونسبها إلى نفسه.
«عدم التحريض على أي عمل غير قانوني ضد أي شخص أو مجموعة من الأشخاص.
«عدم نشر أمور من شأنها التأثير في سير العدالة حتى تتوافر الضمانات للمتهمين والمتقاضيين في محاكمة عادلة أمام قاضيهم الطبيعي فلا يجوز محاكمتهم على صفحات الصحف قبل حكم القضاء.
«الامتناع عن نشر أنباء الجلسات المحاكم السرية.[5]

د)التزامات ومسؤوليات اجتماعية:
ونعني بها المسؤوليات التي يقبل الصحفي طواعية الالتزام بها لإحساسه بمسؤوليته الاجتماعية وتتمثل في:
«أن يتصرف الصحفي بشكل مسؤول اجتماعيا، ويحترم مسؤوليته إزاء الرأي العام وحقوقه ومصالحه.
«احترام حقوق الإنسان ومبادئ التعاون بين الشعوب والاشتراك في الكفاح من أجل هذه الحقوق.
«عدم الدعاية للحرب أو الحض على الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية والتي تشكل تحريضا على العنف.
«الامتناع عن نشر الموضوعات الخليعة والتي تحرض على الإجرام والانحرافات الجنسية وتحبذ المخدرات وما إلى ذلك.
«الالتزام بالقيم الثقافية المقبولة للمجتمع.
«أن يراعي مسؤوليته اتجاه المجتمع الدولي فيما يتعلق باحترام القيم التي اتفق عليها المجتمع الدولي.
وفي هذا الإطار يمكن أن نجمل ثلاث نقاط رئيسية تضمها قوائم المحظورات على الصحفيين، وإن اختلفت درجة هذا الحظر من بلد لآخر ومن فترة لأخرى.
فقد تضيق هذه المحظورات أو تتسع حسب ظروف كل بلد وحجم الحرية المتاحة والمسموح بها في هذا البلد.
وهذه القائمة تضم:
«الامتناع عن نشر المعلومات المناهضة للمصلحة الوطنية ويدخل في هذه الأمور الخاصة بالأمن القومي والأسرار الرسمية التي تحظر كل الدول ـ مهما كان نظامها السياسي ـ إفشاءها.
«الامتناع عن نشر المعلومات التي قد يضر نشرها بالحياة الاجتماعية
وفي بعض الحالات قد تتسع هذه المحظورات لتشمل التحريض على الشغب، الهجوم على الدستور، إهانة رئيس الدولة، الإضرار بالعلاقات مع الدول الأجنبية، نشر الأخبار الزائفة أو المغرضة، الدعاية لتحبيذ الحرب.


ثانيا: عناصر حرية الإعلام بالنسبة لوسائل الإعلام:
على سياسات الاتصال أن تضع في اعتبارها حجم الحرية المتاحة لوسائل الاتصال الجماهيري.

والواقع أن مفاهيم مثل حرية الإعلام، التدفق الحر والمتوازن للمعلومات وحرية الانتفاع بوسائل الإعلام، جاءت ثمارا طبيعية للمبدأ الأساسي الخاص بحرية الرأي وحرية التعبير بالقول والتصوير والصحافة.
إذ أصبح هذا المبدأ بديهية لا ينازع فيها أحد وضمانها هو نص الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، ونصوص الدساتير المتتابعة والتي تأكدت بصفة خاصة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر سنة 1948.
ويندر أن نجد دستورا من بين دساتير العالم ينكر حرية الصحافة أو الإعلام صراحة، وإن كانت النصوص تختلف بين دستور رجعي ودستور ديمقراطي.

إلا أن هذه العمومية في النص الدستوري لا تدل على شيء إذ جاء قانون المطبوعات والإعلام مليئا بالقيود والتحفظات، فضلا عن ذلك فإن الحرية هي التي تصنع الدساتير، وليس العكس.

كذلك، فإن تفسير معنى حرية التعبير يختلف اختلافا كبيرا عند التطبيق من دولة لأخرى ففي بعض النظم السياسية تعتبر حرية الصحافة والإعلام حجر الزاوية في الديمقراطية وتصان هذه الحرية بواسطة القضاء. في حين أن هذه الحرية قد تقيد في بعض النظم الأخرى وفق ما تراه السلطة الحاكمة يلبي الاحتياجات الوطنية (من وجهة نظرها) كما أنها قد تعتبر أنه لا حرية لأعداء الدولة.
وتجدر الإشارة إلى أنه مع تأكيد حرية تداول الأفكار والآراء فإنه لا ينبغي تحبيذ إذاعة أنصاف الحقائق أو الوقائع المشوهة، والحرية لا توجد حيث يكون الإعلام محتكرا، وكذلك فلا حرية بدون مسؤولية فالحرية إذا ليست مطلقة.
وتنظم التقاليد والسوابق حرية وسائل الاتصال الجماهيري أو القيود التي قد تفرض على هذه الوسائل في بعض النظم، وتلجأ مثل هذه النظم للتشريع في مجالات محدودة جدا كمسائل الأمن القومي، الإساءة إلى سمعة الأفراد أو الافتراء، نشر الرذيلة، ولتنظيم الاستخدامات الجديدة لتكنولوجيات الاتصال.

وعلى العكس من ذلك، تعتبر كثير من الدول النامية أن المعارضة الدائمة من جانب وسائل الاتصال الجماهيري ترف لا يحتمله وضعها كدول تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ومن ثم يشكل هذا الموقف مأزقا حرجا لكل من الإعلاميين وحكوماتهم يتمثل في المدى الذي يمكن خلاله احتمال المعارضة السياسية من جانب وسائل الاتصال الجماهيري.[6]

وقد أشارت بعض المؤتمرات الإقليمية التي عقدت لمناقشة سياسات الاتصال إلى الحاجة إلى مفهوم جديد لحرية الإعلام يحرر الإنسان والمجتمع بدلا من إخضاعهما لسيطرة هؤلاء الذين يتحكمون في وسائل الاتصال الجماهيري على أن يساهم هذا المفهوم الجديد في عملية ديموقراطية الاتصال ويعي جيدا حقوق الأفراد والشعوب في المعرفة، والتعبير عن أنفسهم، كذلك لابد أن يتناسب هذا المفهوم الجديد مع المستحدثات التكنولوجية الحديثة في الاتصال ومن ثم فإنه سيختلف عن المفهوم اللبيرالي التقليدي لحرية التعبير الذي ظهر في القرن الثامن عشر وكان يتعامل مع وسائل اتصال مختلفة.
ويزيد التطور في تكنولوجيات الاتصال من قلق الحكومات إزاء التأثير الاجتماعي والثقافي لوسائل الاتصال الجماهيري.
المبحث الثالث: عوائق وقيود حرية الإعلام:
تتعثر حرية الإعلام بمجموعة من العوائق والقيود التي تحول دون تكريس مبادئ حرية الإعلام من بين هذه العوائق نذكر:
«وجود اختلاف بين نظريات الإعلام (السلطوية، الليبرالية والاشتراكية)
«تقييد الصحافة في شكل قوانين منظمة لها، وفي شكل رقابة تفرض على الصحف من الناحية السياسية والإيديولوجية.
«تحول الصحافة في العصر الحديث إلى صحافة تحتاج إلى استخدام الآلات الكثيرة والمعقدة والمرتفعة الثمن في إصدار الصحيفة فنتج عنها تحكم الرأسمالية في صناعة الصحف والإذاعة والسينما.
«طغيان الدعاية على الإعلام إلى حد الذي يمنع الإعلام من تأدية وظيفته فضلا على أنها تحرمه حرما تاما من ممارسة حريته.
«ظهور في العالم الغربي ما يسمى "بالتكتلات الصحفية" حيث استطاعت هذه التكتلات أن تعيق حرية التعبير في البلدان التي تصدر فيها.

وقد نجد من القيود أو الالتزامات التي قد تفرض على وسائل الاتصال الجماهيري تأخذ عدة أشكال هي:
1.التزامات قانونية.
2.قيود إدارية أو إجرائية.
3.قيود اجتماعية واقتصادية..
4-التزامات قانونية:
والواقع أن هذه الالتزامات القانونية سواء أخذت شكل الوقاية أو الردع ترد في قوانين المطبوعات أو الصحافة وقوانين العقوبات وغيرها من التشريعات التي تنظم عمل وسائل الاتصال.

أما الدساتير فإنها تنص فقط على المبدأ الأساسي الخاص بحرية الصحافة وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيري.[7]


وتأخذ هذه القيود أشكالاً منها:
‌أ)قوانين الرقابة: وتأخذ هذه الرقابة صورا متعددة :
«رقابة سابقة على النشر أو الإذاعة.
«رقابة بعد النشر وقبل التوزيع.
وهذان الشكلان يهدفان إلى الوقاية أو المنع.
«رقابة بعد التوزيع، وهذا بهدف الردع أو التجريم.

‌ب)منع نشر المداولات القضائية أو بعضها، وحماية حرية التقاضي وعدم التأثير على سيره.
وهناك مغالاة من جانب بعض الدول في تطبيق مبدأ انتهاك حرمة المحكمة، إذ تستبعد بعض الصحفيين (أو غيرهم من الإعلاميين) من حضور المحاكمات السياسية الحساسة بدون مبرر مستغلة هذا المبدأ.

‌ج)بعض القيود لحماية الأخلاق العامة والأسرة والعلاقات الاجتماعية وهو ما يسمى "بحرمة الآداب وحسن الأخلاق".
‌د)قيود على النشر في القضايا الخاصة بالأحداث (صغار السن) وكذلك فرض نوع من الرقابة على برامج الأطفال ومطبوعاتهم.
‌ه)منع نشر المطبوعات أو المواد الإعلامية التي تدعو للتمييز العنصري أو العقائدي، ويدخل في هذه القيود التي قد تفرض في بعض البلاد على المطبوعات أو المواد الإعلامية التي تشكل عدوانا على الأديان.
‌و)بعض القيود على الإعلانات الخاصة بالطب والمنتجات الصيدلية والخمور والمخدرات والسجائر والمراهنات واليانصيب والمضاربات المالية.
‌ز)قيود على التحريض على ارتكاب الجرائم أو العنف.
‌ح)تجريم القذف والسب.
وهذا أمر ضروري إلا أنه أحيانا يستخدم لحرمان الجمهور من بعض المعلومات المطلوبة، كما قد يستغل من جانب السلطات لفرض عقوبات مالية تعوق مطبوعات الأقلية.
‌ط)فرض الرقابة باستخدام مسميات وتعبيرات غامضة أو مطاطة مثل (وقاية النظام الاجتماعي) أو (حماية النظام العام) أو (الأمن القومي) وهذه كلها قد تمتد وتتسع لتصبح ستارا تحمي به السلطة العامة نفسها والأشخاص العامين من النقد.
كما أن هذه الأمور قد تجبر الصحفي على أن يطبق قيود الرقابة الذاتية على نفسه.
‌ي)فرض قيود على النشر أو الإذاعة الماسة بأمن الدولة أو إذاعة أسرارها إلا أن التعلل بمقتضيات السرية والشؤون العسكرية والأهداف العليا كثيراً ما يشكل تبريرات غير منطقية خاصة في الظروف العادية.
‌ك)تجريم الأخبار الكاذبة.د
‌ل)تتيح ظروف الطوارئ للحكومات أن تفرض رقابة سياسية على وسائل الاتصال إلا أن هذه الرقابة لا يجوز أن تمتد إلى ما يتصل بسلامة العامة أو أغراض الأمن القومي فلا يجوز أن تمارس لمنع النقد عن الأجهزة المسؤولة أو عن الأشخاص ذوي الصفة العامة, أو حتى لحماية غايات أخرى غير السلامة العامة أو الأمن القومي مثل حماية النظام العام أو أمن الحكومة.
‌م)قد تفرض بعض القيود والعقوبات على نشر ما يسيء إلى الحكومات الصديقة.
‌ن)إلى جانب هذه الالتزامات السابقة, هناك بعض القضايا القانونية الخاصة بالاتصال مثل القوانين التي تنظم حقوق النشر والتأليف، حق الأداء العلني، التشريعات العمالية, الضرائب, التزامات الاتصال بمبادئ القانون الدولي.[8]

5-القيود الإدارية أو الإجرائية:
أي الإجراءات الإدارية التي تتمثل في إجراءات دائمة أو مؤقتة قد تتخذها بعض الحكومات لتنظيم أسلوب إصدار أو عمل وسائل الاتصال الجماهيري من وجهة نظرها, وتتمثل في:
‌أ)عوائق بيروقراطية: مثل فرض تأمين نقدي ضخم على إصدار المطبوعات أو التوسع في الإجراءات الإدارية التي يتطلبها إصدار الصحف, فبينما يكتفى في بعض الدول بمجرد الإخطار الذي يبلغ إلى الجهة الإدارية المختصة, قد يحتاج الأمر في الدول الأخرى إلى الحصول على ترخيص سابق.
وبالنسبة للنشاط الإذاعي الذي يحتاج أساسا إلى محطات للإرسال والاستقبال, ومن ثم يحتاج لاستخدام الشبكة اللاسلكية التي تملكها الدولة في العادة فإنه يحتاج بالتالي إلى الحصول على ترخيص منها.

‌ب)حظر تداول بعض المطبوعات والمواد الإعلامية: التي تصدر في الداخل أو المطبوعات والمواد الإعلامية الأجنبية مثل حظر الكتب أو حظر بث برامج معينة أو أفلام معينة, أو حذف أجزاء منها, أو حظر توزيع المطبوعات غير اللائقة (وينبغي تحديد المقصود بذلك تماماً), أو التي تصف العنف أو تنشر معلومات طبية عن الأدوية, أو حظر استيراد نوعيات معينة من الأفلام, والمطبوعات والتسجيلات والبرامج التلفزيونية بغرض حماية القيم الثقافية.

‌ج)إجازة تعطيل بعض المطبوعات: (صحف أو كتب...) أو مصادرتها بدعوى المحافظة على النظام أو الدين أو الآداب.

‌د)إجازة إنذار الصحف أو وقفها أو إلغائها: بالطريق الإداري رغم أن هذا المبدأ أصبح نصاً مهجوراً تماماً في كافة الدساتير المتقدمة منذ ما يزيد عن مائة سنة.



6-القيود الاجتماعية والاقتصادية:
أي العقوبات الخاصة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الذي تعمل فيه وسائل الاتصال الجماهيري وتؤثر عليها, كذلك الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بظروف عمل الوسائل نفسها, ومن ذلك مثلاُ:
‌أ)الاحتكارات في مجال الاتصال سواء أكانت عامة أو خاصة أو دولية.
‌ب)عدم كفاية البنى الأساسية للاتصال.
‌ج)الاتجاهات المحظورات الثقافية الراسخة.
‌د)أن يكون تقديس السلطة (دينية أو علمانية) دون مناقشة أو معارضة اتجاها غالبا أو مسيطرا.
‌ه)أن تتركز السيطرة على أجهزة الاتصال الجماهيري في يد فئة تتحكم فيها وتتجاهل الفئات الأخرى وتواجه حقها في التعبير عن الرأي باللامبالاة.
‌و)قد يمارس المعلنون سيطرة اقتصادية على وسائل الاتصال الجماهيري نظرا لاعتماد هذه الوسائل ـ وخاصة في الدول الرأسمالية ـ على إعلان كمورد رئيسي لتمويلها.
‌ز)تقاضي بعض الصحف إعانات سرية من الحكومة, وتكمن خطورة هذه الإعانات في سريتها مما قد يقابله تعمد بعض الصحف تضليل الرأي العام دون كشف حقيقة أمرها.

7-عوائق أمام أجهزة الاتصال الجماهيري أثناء ممارستها للعمل:
أي المشاكل المتغيرة التي قد تواجه عمل وسائل الاتصال الجماهيري بحرية أثناء الممارسة العملية, وقد لا توضع هذه المشاكل في الحسبان إلا أنها أحيانا تطفو على السطح فجأة, ومن هذه المشاكل:
‌أ)إصدار تعليمات حكومية عن كيفية معالجة بعض الموضوعات المتصلة بأحداث أو قضايا معينة.
‌ب)وضع قائمة ببعض المطبوعات (أو غيرها من المواد الإعلامية) الممنوع تداولها.
‌ج)ممارسة بعض أشكال الإرهاب ضد الإعلاميين, كالتهديد والعنف وإدراج أسمائهم في القوائم السوداء.
ويدخل في هذا أيضاً معاقبة الإعلاميين الذين لم يلتزموا بالتوجيهات أو التعليمات.
‌د)مقاطعة أعمال بعض الإعلاميين, أو حظر نصوص كتابات معينة لهم.
‌ه)طرد أفراد من العاملين في أجهزة الاتصال الجماهيري وحرمانهم من إمكانيات النشر أو العمل الإعلامي.[9]
‌و)نقص الخبرة والتدريب المهني المناسب والكافي لممارسة العمل الإعلامي بالشكل المطلوب.
‌ز)الاستيلاء على مؤسسات الطباعة أو الإذاعة أو وقف أو حظر نشاطها.
‌ح)قيود خاصة بظروف العمل وتنظيمه داخل أجهزة الاتصال الجماهيري نفسها.
‌ط)سياسة وسائل الاتصال نفسها مثل تحديدها للأوقات أو المساحات التي تخصصها للأشكال المختلفة للمضمون (الأخبار ـ التسلية- التعليم- الثقافة- التنمية- الرياضة...) وسياستها التحريرية (هل تهتم بالعرض المشوق وتغطية الجريمة والرياضة والموضوعات الإنسانية الطريفة أم أنها تسعى لتقديم موضوع ذي مستوى رفيع فتهتم بالتغطية الإخبارية العميقة والمتوازنة والموضوعات الإعلامية والمقالات المفسرة, أم أن غرضها هو الدفاع عن مبدأ سياسي معين؟) كذلك طريقة معالجتها لمضمونها.

ويترتب على ذلك أيضا أنه يصبح على الوسيلة أن تتخذ قرارات بشأن المبادئ التالية:
*تعمد إغفال أو عدم إغفال نشر الأخبار أو المعلومات أو الآراء.
*النقد والتعريض بالسلوكيات السيئة.
*حماية سرية مصادر المعلومات.
*الفصل بين الخبر والتعليق.
*تحديد المساحة أو الوقت الذي سيخصص للمادة الإعلامية.
*تحديد نسبة المواد الأجنبية في برامج وسائل الاتصال الإلكترونية.
*التعاريف الضيقة للخبر والاعتبارات التي تحكم ما ينبغي نشره أية قضايا يجوز مناقشتها.




المبحث الثاني : حرية الإعلام والاتصال في التشريعات العالمية والقانون الجزائري.
المطلب الأول: لائحة 1789 )الثورة الفرنسية وحرية الإعلام(

باعتبارها حجر الأساس للوائح والقانون الأساسي للحريات الفردية يمكن القول أيضا بأن لائحة حقوق الإنسان والمواطن أنها الترسيخ القانوني للانفصال عن النظام القديم أي النظام الملكي

تستلهم هذه اللائحة مبادئها من فلسفة النور ونظرية القانون الطبيعي على صيغة اللوائح الأمريكية (لائحة حقوق الإنسان لفرجينيا 12 جوان 1776, ولائحة استقلال أمريكا في 04 جويلية 1776)

في 20جوان 1789 قام حلف بين النواب والذين تمكنوا من إرساء قواعد الدستور الخاص بالمملكة الفرنسية عن طريق بلورة لائحة الحقوق التي طالبوا بها عبر مدونات الاحتجاجات.

يوم 14جويلية1789 تم تبني مبدأ تحرير لائحة قبل الشروع في مناقشة فحوى الدستور وبعد عرض عدة مشاريع (15مشروع نص) تم المصادقة على مشروع المكتب السادس بعد التصويت يوم 19أوت1789

وفي 26أوت 1789 وفي إطار الثورة الفرنسية تم الإعلان عن وثيقة حقوق الإنسان وهي عبارة عن أول مشروع قانوني في العالم يقر بحرية الإعلام حيث تنص مادته الحادية عشر(11) على ما يلي: »إن حرية إبلاغ الآراء من أغلى حقوق الإنسان ولكل مواطن حق الكلام والكتابة والطباعة بحرية مقابل أن يتحمل مسؤولية الإفراط في ممارسة هذه الحرية طبقا لما هو محدد قانوناً«.
وقد كان هذا الإعلان قاعدة أساسية اعتمد عليها في بلورة وتنوير أفكار الفلاسفة ورجال السياسية والقوانين التي تلته. [10]




المطلب الثاني: قانون 1881 ( منع الرقابة على الصحفي )

قانون 1881 هو أول قانون خاص بالإعلام ظهر في العالم ، حيث ظهر بفرنسا ليكون قانون الصحفي الذي لا يمنعه من التعبير عن أي من أفكاره ، ويترك له الحرية ويلغي كل أشكال الرقابة التي كانت مفروضة عليه.

جاء هذا القانون ليلغي الرقابة التي كانت مفروضة على الصحفي سواء كانت رقابة ذاتية والتي تعني مراقبة الصحفي لنفسه أو رقابة مفروضة التي تعني أن السلطات تراقب عمل الصحفي وتحاسبه عليه.

وأكد هذا القانون على حرية الصحافة والتعبير باعتبارها من الحريات الأساسية وتعني بأنها الحق في طبع ما تشاء دون أي رقابة.

ومن المواد التي تنادي بحرية الإعلام نجد المادة إحدى عشر (11) التي تنص على. »لايحرج أحد بسبب أفكاره وآرائه «.[11]



المطلب الثالث: لائحة 1948 ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان )

بناءاً على المادة 68من ميثاق الأمم المتحدة قام المجلس الاقتصادي والاجتماعيECOSOC بإنشاء لجنة حقوق الإنسان وذلك في سنة 1946, حيث عينت السيدة إليانور روزفلت Eleanor Roosevelt (أرملة الرئيس الأمريكي روزفلت) رئيسة لجنة صياغة الإعلان, إضافة إلى العديد من الشخصيات من مختلف دول العالم التي ساهمت إلى حد كبير في إعداد مشروع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وفي 10ديسمبر 1948 وبقصر شايلوت chaillot بباريس قامت الجمعية العامة بالأمم المتحدة بالتصويت على الإعلان (تبنته 48دولة) حيث يعتبر حسب ما جاء في ديباجته:
...المثل الأعلى الذي ينبغي أن تلعبه كافة الشعوب والأمم...

وقد وضعت في هذا الإعلان مجموعة من القوانين والحقوق والمواد التي تضمن الحريات الأساسية والتقيد بها لكل الشعوب والأمم من أجل غاية أن يحفظ كل فرد في المجتمع

ومن بين المواد التي نصت على حرية الصحافة والتعبير المادة التاسعة عشر(19) التي نصت على : »لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودون اعتبار للحدود «.
المطلب الرابع: حرية الإعلام في الجزائر ( قوانين 1982 و1990)

ويمكن تمييز مرحلتين أساسيتين مرت بهما حرية الإعلام في الجزائر وهما مرحلة الحزب الواحد(1962ـ1982) ومرحلة ما بعد التعددية الحزبية (ما بعد 1982 إلى يومنا هذا)

ففي المرحلة من 1962إلى 1982 كانت تعيش الجزائر في ظل نظام الحزب الواحد حيث كرس دستور 1963 مبدأ حرية التعبير بصفة عامة, حيث نص في مادته التاسعة عشر (19)على أنه: »تضمن الجمهورية حرية الصحافة, ووسائل الإعلام الأخرى, وحرية تكوين الجمعيات, وحرية التعبير والتدخل العمومي وحرية الاجتماع «.

إلا أن هذه الحرية لم تكن مطلقة بل كانت مقيدة من طرف السلطة وهذا ما نستخلصه من المادة الثانية والعشرين(22) من نفس الدستور التي تنص على أنه: »لا يجوز لأي كان أن يشغل الحقوق السالفة الذكر في المساس باستقلال الأمة وسلامة تراب الوطن والوحدة الوطنية ومنشآت الجمهورية ومطامع الشعب والاشتراكية ومبدأ وحدانية جبهة التحرير الوطني «.

أما فيما يتعلق بالتنظيم القانوني للإعلام في ظل دستور 1976 فإنه لم يضف شيئا إذ أنه سار في نفس الاتجاه الذي سار عليه دستور 1963 فقد نصت المادة الخامسة والخمسون منه على أن: »حرية التعبير والاجتماع مضمونة وألا يمكن التذرع بها لضرب أسس الثورة الاشتراكية «.

أما قانون الإعلام لسنة 1982 (06فيفري1982) فقد استمد معظم أحكامه من دستور 1976 وهو أول قانون للإعلام في الجزائر وقد احتوى هذا الإعلان على 119مادة موزعة على خمسة أبواب وتسعة تضمنتها المبادئ العامة ومن المواد التي تضمنها والتي تتعلق بحرية الإعلام نجد
المادة الأولى(01): »الإعلام قطاع من قطاعات السيادة الوطنية, يعين الإعلام بقيادة حزب جبهة التحرير الوطني في إطار الاختيارات الاشتراكية المحددة للميثاق الوطني, عن إرادة الثورة, ترجمة لمطامح الجماهير الشعبية يعمل الإعلام على تعبئة كل القطاعات وتنظيمها لتحقيق الأهداف الوطنية «.
المادة الثانية (02): »الحق في الإعلام حق أساسي لجميع المواطنين. تعمل الدولة على توفير إعلام كامل وموضوعي «.[12]

ومما سبق ذكره يمكن القول أن الإعلام في الجزائر منذ الاستقلال إلى غاية 1989 كان إعلاماً موجها ومحتكرا من طرف السلطة.

أما في المرحلة التي تلت قانون الإعلام في الجزائر أي في سنة 1982 عرفت الجزائر تحولا هاما إذ انتقلت من نظام لا يعترف إلا بالحزب الواحد إلى نظام يقر بالتعددية الحزبية؛ فقد صدر دستور في 23 فيفري 1989 الذي فتح عهداً جديدا للجزائر, حيث كرس مبدأ التعددية السياسية وبالتالي تعددية إعلامية, وقد ضمن حرية الرأي والتعبير.

وجاء قانون 1990(03أفريل 1990) المعدل لقانون الإعلام 1982(حيث عدل العقوبات) وقد جاء هذا القانون بعد أحداث أكتوبر 1988 والدستور السابق الذكر حيث طلبت حركة الجزائريين MGA بإعادة النظر ومناقشة دستور 1989 حيث أن قانون 1990 تم فيه زيادة أجور الصحافيين وزيادة المنتوج؛ ويتضمن هذا القانون 106مادة موزعة على تسعة أبواب ومن أهم المواد الدالة على هذه الحرية التي وردت في قانون الإعلام لسنة 1990نذكر:
المادة (02): »الحق في الإعلام يجسده حق المواطن في الإطلاع بصفة كاملة وموضوعية على الوقائع والآراء التي تهم المجتمع على الصعيدين الوطني والدولي وحق مشاركته في الإعلام بممارسة الحريات الأساسية في التفكير والرأي والتعبير طبقا للمواد35, 36, 39و40 من الدستور «.
المادة (03): »يمارس حق الإعلام بحرية مع احترام كرامة الشخصية الإنسانية ومقتضيات السياسة الخارجية والدفاع الوطني «.
المادة (14): »إصدار نشرية دورية حر, غير أنه يشترط لتسجيله ورقابة صحته تقديم تصريح مسبق في ظرف لا يقل عن ثلاثين (30) يوما من صدور العدد الأول. يسجل التصريح لدى وكيل الجمهورية المختص إقليميا بمكان صدور النشرية, ويقدم تصريحا في ورق مختوم يوقعه مدير النشرية, ويسلم له وصل بذلك في الحين. ويجب أن يشتمل الوصل على المعلومات المتعلقة بهوية الناشر والطابع, ومواصفات النشرية كما تنص على ذلك المواد اللاحقة في القانون... «.
وبالرغم من أن هذه المادة (14) تنادي بحرية الإعلام والصحافة والتعبير إلا أنها مجمدة حيث لا نلمس لها أثرا عمليا في مجال التطبيق.
المادة (35): »للصحافيين المحترفين الحق في الوصول إلى مصادر الخبر ويخول هذا الحق على الخصوص الصحافيين المحترفين أن يطلعوا على الوثائق «.
بصرف النظر عن التطور الذي شهده التشريع الإعلامي في الجزائر, تجدر الإشارة إلى أن الوثيقة الإعلامية التي وضعت في ظروف أوجدها دستور 1989, جاءت متضمنة للعديد من التشويهات والتناقضات إما مع التشريعات الإعلامية الحديثة أو مع التوجهات العامة للنظام السياسي, خاصة المبادئ التي جاء بها الدستور المعدل في 28 نوفمبر 1996.

يمكن تلخيص أهم النقائص ـ التي دفعت إلى جانب عوامل أخرى ـ إلى التفكير في تعديل قانون 1990, في النقاط التالية:
1.أول وأهم النقائص هو الطابع الجامع لقواعد ذات أسس وطبيعة قانونية مختلفة, حيث أنه تضمن في المواد الأربعة الأولى من الباب الأول, الاعتراف بالحق في الإعلام للمواطن وحق المشاركة في الإعلام بممارسة الحريات الأساسية في التفكير والرأي والتعبير, ولكنه حدد ممارسة هذا الحق من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية التابعة للقطاع العمومي والقطاع الخاص وعناوين الأحزاب.
ويتضح جليا أن هذا النص القانوني يحصر الحق في الإعلام في مجرد عملية الإطلاع على الوقائع والآراء التي تنقلها وسائل الإعلام الجماهيرية أو أي سند اتصال آخر, كما أنه يخلط بين الإعلام والدعاية الاديولوجية أو التلقين المذهبي الذي هو أساس وهدف الصحافة الحزبية, وهو يتدخل بذلك في مجال تشريع حرية الإعلام بكيفية منقوصة. في نفس الباب يتناول واجبات عناوين الإعلام وأجهزته, وكيفية صدورها وتنظيمها وفصلها عن الطباعة بالنسبة للصحافة المكتوبة, ثم يعطي للسلطة التنفيذية الحق في نشر التصريحات والبيانات التي تقدر هي ضرورتها ووقت نشرها, بينما قوانين حرية الإعلام تلزم السلطات العمومية (خاصة الحكومة) بنشر المعلومات التي يراها المشرع ضرورية لممارسة المواطن حقه في الإعلام.
2.تنظيم المهنة أدرج في الباب الثاني إلى جانب إصدار النشريات, وهو ما يشكل خلط بين تنظيم المهنة الإعلامية التي هي من اختصاص المنظمات المهنية من جهة, وبين المؤسسات الإعلامية التابعة للقطاع العمومي وبينها وبين حقوق النشر من جهة ثانية.
وهناك تناقض بين الفقرة الثالثة من المادة(04) التي تنص على إمكانية الأشخاص الطبيعيين في إنشاء عناوين وأجهزة إعلام وبين مضمون المادة(19) التي تشترط ملفاً للتصريح المسبق لممارسة حق النشر, يتضمن القانون الأساسي للمؤسسة أو الشركة , مما يعني أن حق النشر ليس حقا للفرد الطبيعي وإنما للشخص المعنوي وحده.
3.ممارسة مهنة الصحفي التي ينظمها الباب الثالث, وقد جرت العادة أن تترك هذه المهمة التنظيمية لسلطة مختصة تشارك فيها جميع الأطراف (سلطة, مهنيون, ناشرون, جمهور) على غرار المجلس الأعلى للإعلام أو كمنظمات مهنية (ناشرون, مهنيون, جمهور أو ممثلين منتخبين). يمكن إدراج المسؤولية وحق التصحيح والرد في القواعد العامة في النشر إلى جانب التوزيع والبيع.
4.جرت العادة أن تنشأ سلطة مكلفة بتنظيم الإعلام الجماهيري, وتسهر على حماية حقوق النشر والطبع والتوزيع وحماية حقوق الجمهور المتلقي كأفراد وجماعة (اجتماعية أو رسمية), ويمثل المجلس الأعلى للإعلام المنشأ بمقتضى المادة(59) من قانون 1990 خطوة متميزة, ولكنه لا يمثل الجمهور, ويخلط بين المهنيين والناشرين ويفتقد إلى جهات وهيئات تحكيمية.
5.الباب السابع المتعلق بالأحكام الجزائية, يتضمن 22 مخالفة بعضها منصوص عليها في القانون الجزائي والقانون المدني, وجرت العادة أن يخضع مرتكبو لمخالفات والجنايات والجنح عن طريق الصحافة ووسائل الإعلام إلى القوانين العامة, مثل غيرهم من المواطنين وبعضها الآخر يسند إلى قواعد الأخلاقيات المهنية التي تصدر عن المنظمات المهنية.[13]

الخاتمة:
من خلال البحث المقدم يتضح أن الميدان الإعلامي والصحفي لكي يمارس وظيفته على أتم وجه, ويغطي مختلف الواجهات المتعلقة بالسياسة الإعلامية سواء كان ذلك في الجزائر أو في العالم ككل يجب أن يقترن بحرية إعلامية تعطي معنى لممارسة المهنة لدى الإعلامي أو الصحفي ويتضح هذا المعنى خاصة بعد ظهور القوانين والتشريعات التي نادت بهذه الحرية ولاسيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10ديسمبر1948, حيث تضمنت هذه التشريعات الإعلامية بعض الحقوق والقوانين التي من شأنها أن تحمي الصحفي وتدفعه إلى ممارسة عمله في الإطار المسموح به وبهذا يستطيع أن يدافع عن حريته ويعطي لها معنى أوضح على الأرضية الميدانية فإذا كانت معظم المواد

[1]زهير احدادن , مدخل إلى علوم الإعلام والإتصال ص 6

[2]فاروق محمد أبو زيد , حرية الإعلام بين النظرية والتطبيق ص 18

[3]تيسير أبو عرجة , دراسات في الصحافة والإعلام ص 27

[4]فاروق , نفس المرجع ص 39-
[5]تيسير , نفس المرجع ص 39

[6] فاروق , المرجع نفسه ص 47

[7]جهينة المكاوي , حرية الفرد وحرية الصحافة 1981 , ص 125

[8]المكاوي , نفس المرجع ص 162

[9]المكاوي , نفس المرجع ص 168

[10]سكاي ديزاد : www.alg17.com

[11]نفس الموقع : www.alg17.com

[12]نفس الموقع : www.alg17.com

[13] الموقع نفسه :  www.alg17.com


حرية وحق نقل وامتلاك المعلومة في الصحافة
محمد حميد الصواف
السلطة الرابعة بحاجة إلى ضمانات دستورية وقانونية
لا يختلف اثنان في إن العمل الإعلامي بات يتمتع بهامش كبير من حرية التعبير، بدرجة قد تكون غير مسبوقة في العراق، خصوصا بعد توافر الأجواء الطبيعية للمناخ التعددي السائد، إلا اللهم من يعارض ذلك من باب العناد أو محاولة ذر الرماد في العيون فرغم جملة المعوقات التي تواجهه انسيابية العمل الصحفي والخطر الناجم عن ممارسة نقل الخبر ومتابعة الأحداث، تشير معظم المعطيات المتوافرة إلى نجاح العاملين في هذا المرفق الحيوي بإتمام عملهم على قدر كبير من الانجاز لكن في خضم استحقاقات النظام الديمقراطي الجديد لا تزال العديد من الإشكاليات المغيبة تتربص بحرية العمل الصحفي، نظرا لإهمال المشرع العراقي أثناء سنه للدستور حق المعرفة وامتلاك المعلومة، الذي يعد من المقومات للمرفق الإعلامي فنجد الدستور العراقي الذي يعد أسمى قانون في البلاد قد خلت بنوده "عن قصد أو غيره" من تشريع أي فقرة أو إشارة تجيز هذا الحق الأساسي المنضوي تحت مفهوم المواطنة وأساسياتها أولا، وأساسيات العمل الصحفي ثانياً، أسوة بالحريات العامة في سائر دول العالم حيث تناولت المادة 36 من الدستور العراق حرية العمل الإعلامي في فقرتين لا ثالثة لهما دون الإشارة الى حق امتلاك المعلومة، بعد ان ذيلت بفقرة هزيلة عن الحريات العامة، فتنص المادة على:
أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.
ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.
فنرى من خلال ما ذكر تغاضي المادة 36 من الدستور بشكل صريح وواضح عن أي تنويه ضامن لحق امتلاك المعلومة، على الرغم من إتاحتها حرية التعبير، مسقطة في الوقت نفسه ما يعد حقا شرعيا للمواطن العراقي بصورة عامة، ولمزاولي العمل الصحفي بصورة خاصة خصوصا ان ذلك الحق يعتبر من أعمدة النظم الديمقراطية الصحيحة، وإقراره يأتي في سياق الحريات العامة المعتمدة لدى اغلب النظم الدولية الحديثة، بعد ان تبنت هذا المفهوم حيث نلحظ ان العديد من دول المنطقة والعالم أقرت من خلال دساتيرها شرعية استقصاء المعلومة ونقلها وتحليلها دون قيد او شرط فيما ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ذلك في المادة (19) التي جاء فيها: "لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل واستقاء المعلومات وتلقيها ونقلها من خلال أية وسائل بغض النظر عن الحدود..." كما يشرع الإعلان العالمي بإسهاب توظيف مختلف الوسائل الممكنة لامتلاك المعلومة والحصول على المعرفة والاطلاع على تجارب الآخرين، بعد ان ربط هذا الحق بالحق في الحصول على المعلومات وتداولها ونقلها وتحليلها وهو الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام، مما يعني الحق لكل مواطن في النفاذ إلى ملفات المؤسسات العامة، إضافةً إلى المعلومات التي هي في حوزة شخصيات معينة "متى اقتضت الحاجة أو المصلحة العامة إلى ذلك" فالتفسير القانوني يأتي على أساس أن "المؤسسات العامة تحتفظ بمعلومات لا تخصها، بل بالنيابة عن العامة وأن الشأن العام هو شأن العامة".هذا المبدأ يشير إلى ضرورة إدخال آليات فاعلة يستطيع الجمهور من خلالها الحصول على المعلومات ومعرفة ما تعمله الحكومات بالنيابة عنه، وتداولها أي نشرها وتوزيعها، وبدون ذلك ستضعف الحقيقة وستبقى مشاركة الناس في الحكومة مجزأة فيما تم تبني الميثاق الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، الذي يعتبر المعاهدة ملزمة قانونياً، من قبل الجمعية العمومية في الأمم المتحدة عام 1966، حيث قامت حوالي 149 دولة بالمصادقة عليه ابتدءا من كانون الأول عام 2002 ويكفل البند المماثل في هذه المعاهدة، والمادة 19 أيضاً، حق حرية الرأي والتعبير ضمن الشروط المشابهة نفسها التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR) في حين نرى بعض الدول التي امتازت بخصوصية مجتمعاتها المتعارضة مع تبني الإعلان الدولي لحقوق الإنسان، قامت بسن قانون خاص يكفل ذلك الحق، كالدول العربية والإسلامية، بعد ان تبنت محاكم عليا تفسير الضمانات الدستورية طويلة الأمد الخاصة بحرية التعبير على أنها اعتناق حق حرية المعلومات.
في اليمن نجد إن دستورها استدرك ذلك بسن قانون خاص شرّع الحصول على المعلومة، بعد أن أباحها لجميع المواطنين دون استثناء، آخذا بنظر الاعتبار تأمين الحصانة القانونية لمن يروم التقصي عن أية معلومة فنجد نص ذلك في عدة فقرات منها على سبيل المثال:
1- الحصول على المعلومات حق من حقوق المواطن الأساسية وله ممارسة هذا الحق في حدود القانون.
2- لكل مواطن حق التقدم بطلب الحصول على المعلومات ولا يجوز أن يترتب على تقديم هذا الطلب أية مساءلة قانونية وينسحب الأمر كذلك على الميثاق الوطني الأردني في تشريعه، معتبرا حق المعرفة والبحث من أساسيات النهج الديمقراطي، ليفصل ذلك في عدة نقاط تحت بند الإعلام والاتصال أهمها:
1- تعتبر حرية الفكر والرأي والتعبير والاطلاع حقاً للمواطن كما هي حق للصحافة وغيرها من وسائل الإعلام والاتصال الوطنية، وهي حرية ضمنها الدستور ولا يجوز الانتقاص منها.
2- أن يكون للمواطن الحق في التماس الحقيقة والمعرفة من خلال مصادر البث والنشر المشروعة في داخل البلاد وخارجها، ولا يجوز أن تحول الرقابة على المصنفات الإعلامية دون ممارسة هذا الحق".
امتلاك المعلومة وتحصين الدولة:
يصنف المشرعون حقوق البحث والاستقصاء عن المعلومة وامتلاكها من بديهيات النظم الديمقراطية، الى جانب تصنيفه حق أساس من حقوق المواطنة، آخذين باعتبار الحق لجميع أبناء الدولة الاطلاع على ما تقوم به المؤسسات والحكومات الرسمية والخاصة، كون تلك المؤسسات مجرد جهة مفوضة بالنيابة عن المواطنين في تصريف شؤون البلاد بعد أن تم ترشيح أفرادها عبر الآليات الانتخابية والإدارية المتبعة.فضلا عن ذلك يوفر ذلك الحق مقدارا كبيرا من الشفافية في أداء مؤسسات الدولة وسير العمل الحكومي والخاص، مما يؤمن مقدارا من النزاهة والقدرة على مكافحة الفساد الإداري والمالي في تلك القطاعات وهنا تجدر الإشارة إلى إن الفساد الإداري والمالي بمختلف أشكاله كان دائما ما ينمو في أجواء النظم السياسية التي تحجب حق امتلاك ونقل المعلومة، لذا نلحظ إن المفسدين هم أكثر من يعارض سن قوانين خاصة بهذا الخصوص فإتاحة الحصول على المعلومات تبيح الاطلاع على البيانات والحقائق، مما يقلل بشكل كبير انتشار الفساد الذي يترعرع عندما تغيب المكاشفة وتتوارى والمساءلة وبطبيعة الحال تعد الصحافة والإعلام الناقل الصحي والشرعي للمعلومة، باعتبارها همزة الوصل الأمينة بين المؤسسات الحكومية والأهلية من جهة وأفراد المجتمع من جهة أخرى كما إن نجاح أفرادها ووسائلها المتنوعة في ممارسة حق التقصي ونقل المعلومات يعد ابرز مقاييس التقييم في العملية الديمقراطية إيجابا أم سلبا حسب المعطيات الملموسة فلا نستطيع التحدث عن وجود حرية المعلومة وحق المعرفة ما لم ترتبط بحرية إصدار الصحف والمطبوعات والبث الإذاعي والتليفزيوني والإنتاج المسرحي والسينمائي، بحيث تكون الحرية متاحة فعلا وحقا مكفولا للجميع بسهولة ويسر وبغير تمييز، ويشمل حرية تملك وسائل الاتصال وحرية الطبع والنشر والتوزيع.التي تكون مستندة في الوقت نفسه على وجود ضمانات دستورية وقانونية تكفل حرية الوصول للمعلومة من هذا المنطلق نوجه دعوانا إلى مجلس النواب والحكومة العراقية للالتفات الى ضرورة تشريع قانون خاص يؤمن الحق الطبيعي للمعرفة وحق امتلاك ونقل المعلومات الشامل لمختلف المواطنين، وعلى الأخص تأمين الغطاء الشرعي والقانوني لشريحة الصحفيين بشكل خاص، لدوره البناء والايجابي في الإسهام بشكل فاعل في النهوض بمختلف قطاعات الدولة، والارتقاء بالعديد من الملفات الحيوية، كحقوق الإنسان والتنمية السياسية والاقتصادية ومكافحة الفساد.
 

أخلاقيات التعامل مع الإنترنت 

إذا كانت الأخلاقيات هي حقل يدرس أسئلة القيم، بما يشير إلى الحكم على فعل الإنسان: هل هو سيء أو حسن؟ بالتالي فإن المعايير والقواعد التي تبنى عليها تلك الأحكام هي موضوع "الأخلاقيات المبتغاة".. (د. ادوارد جهرينجر- متخصص في علم أخلاقيات المعلوماتية(.
أي هي تلك القيم والمفاهيم المتعلقة بالمستخدم، وليست متعلقة بالتقنية (الشبكة)، وأشار صاحب التعريف أن المشاكل الموجودة قابلة للزيادة، ومع ذلك فكل تقنية فيها جوانبها السلبية، كما السيارة التي نستخدمها في الخير، يمكن أن تصبح وسيلة للشر.
لقد كان لظهور "الإنترنت" تأثير يشبه الثورة في مجال الاتصالات وتبادل المعلومات، حتى استنبتت مصطلحات شارحة لهذه الحالة، وواصفة للعالم مثل أن العالم أصبح قرية صغيرة، العالم = القرية الكونية الصغيرة.
ونظرا لزيادة المعارف خلال العقود الأخيرة، حيث أفادت دراسة إحصائية عن منظمة اليونسكو أن المعارف الإنسانية التي يتلقاها إنسان اليوم يوميا (900تسعمائة معلومة، بينما كانت (22) اثنين وعشرين. هذا بالإضافة إلى سرعة نشر المعلومة بالسرعات الهائلة.
هذا مع الوضع في الاعتبار أن الإنترنت لها طبيعة مختلفة عن كل الفضائيات المعروفة، وهو ما يمكن الإشارة إلى بعضها:
:الخصوصية التي يتمتع بها مستخدم خدمة الإنترنت، فله جهازه الخاص وحده، وله بريده الخاص، وكلمات السر التي تتعلق به وحده. وبالتالي عدم القدرة على الرقابة.
:الإنترنت وسيلة ذات اتجاهين، على العكس من الوسائل الأخرى، مثل التليفزيونوبالتالي يمكن استخدامها في الخدمات التفاعلية مثل المحادثة، وهو غير المتاح لغيرها.
:قدرة الشبكة على الوصول إلى عالم الممنوعات والدخول إلى عالم الأسرة وخصوصياتها.
:في حالة حجب المواقع المسيئة فلا تستطيع منع المواد المرسلة بالبريد الإلكتروني.
وقد قسمت أخلاقيات استخدام الإنترنت إلى نوعين:
الأول: أخلاقيات استخدام الإنترنت بين المستخدم ونفسه. وهي ترتكن إلى الوازع الديني والأخلاقي العام لمراقبة الذات، حتى يمكن تجاوز تلك النوعية من المشاكل. مثل (احترام الذات.. عدم تعريض الذات للأخطار.. عدم النظر إلى المحرمات وكل ما لا فائدة من ورائه.. عدم إضاعة الوقت عند استخدام الشبكة.. عدم الإضرار بالجسم وإعطائه الراحة الواجبة.. الخ).
الثانيأخلاقيات استخدام الشبكة بين الشخص المستخدم وغيره. سواء مع الجهاز "الآلة" أو مع أناس آخرين. وهو القسم الذي يمكن أن تسن له القوانين، إلا أنه يبقى المحور الأساسي لتطبيق هذه القوانين هو الوازع الشخصي.
مثال ذلك "احترام الملكية الفكرية للغير" مثل وضع المصدر للمعلومة والصورة وغيرة في إطار الاستخدام وتوثيقه بذلك. عدم سرقة أو نسخ أعمال الغير كالأعمال الإبداعية أو البرامج والخطط وغير ذلك. ففي مجال البرامج يقترح "عادل الطلحي" في دراسة له إلى العمل على استخدام المصادر المفتوحة أو المشتركة وهو ما يشجع المتخصصين أو الهواة لإنتاج ما يناسبه من البرمجيات.
كما أن الحفاظ على الأسرار والخصوصيات بنشرها أو الاطلاع عليها مثلما يمارسه البعض بما يعرف hacking، وقد يصل الأمر إلى تخريب مصادر تلك المصادر المعلوماتية cracking.
وفى ضوء تلك الصورة العامة، كانت كل الاتجاهات القانونية والأخلاقية نحو دراسة ما يمكن تفعيلة، لتزكية الايجابي على الشبكة، وتجاوز السلبي.
• حقوق المؤلف في بيئة النشر الإلكتروني
يبدو أنه مع سهولة النسخ وقلة التكلفة وتزايد مستخدمي الشبكة فائقة السرعة، بدت مشكلة السطو على حقوق المؤلف من الأمور السهلة، وهو آثار السؤال حول كيفية حقوقه.
*التعريف: "حقوق الملكية الفكرية"
"هي تلك الحقوق التي ترد على كل عمل ابداعي مبتكر أنتجه العقل البشري في مجال الآداب والفنون والعلوم والصناعة والتجارة، وهي حقوق استئثار لمالكها الاستئثار بها قبل الغير مدة من الزمن، لقاء الجهد الابداعي والمبتكر الذي مكنه من التوصل إلى هذا الحق" (د. غالب شنيكات).
وقد عرفت حقوق الملكية الفكرية لنشاط العقل البشري منذ القدم، إلا أن الدور الذي تلعبه التقنيات الجديدة تضيف أهمية متزايدة لها، وهى على قسمين:
الأولحق الملكية الصناعية والتجارية. تلك التي تشتمل على الاختراعات، الرسوم والنماذج والمنتجات الصناعية، العلامات التجارية والصناعية والخدمية. (يؤجل تناولها بالبحث).
الثاني: حقوق الملكية الأدبية والفنية، وهي المتعلقة بحقوق الإنتاج الذهني في مجالات الفن والأدب والعلوم تلك التي تتصرف إلى الأداء الفني والأعمال الجماعية والبث الاذاعي.
وهي المشتملة على "الرواية – القصة – الشعر – المسرحية – الصحف - قواعد البيانات – الأفلام – الموسيقى - اللوحات الزيتية – الصور – المنحوتات - مصنفات الهندسة المعمارية – الخرائط - الرسوم التقنية.
كما ينسب إليها: حقوق الممثلين والموسيقيين في الأداء، وحقوق منتجي التسجيلات الصوتية والأقراص المدمجة.
*من المؤلف؟ هو الشخص الذي أبدع المؤلف وحده، وقد يكون شخصا معنويا أو طبيعيا.. وقد يشترك أشخاص في التأليف.
ما هي حقوق الملكية؟ هي حقوق معنوية ومادية..
الحقوق المعنوية هي الحق.. في انتساب المصنف إليه.. في تقرير نشر المصنف.. في إجراء أي تعديل على مصنفه.. في دفع أي اعتداء على مصنفه.. في سحب مصنفه.
ولا يحق لأي طرف الاستغلال المادي للمصنف إلا بإذن كتابي، مثل: استنساخ المصنف.. ترجمة المصنف.. التأجير التجاري للمصنف.. توزيع المصنف.. النقل إلى الجمهور في وسائل الإعلام.
وبالتالي فالمصنف المحمي قانونا: هو كل عمل مبتكر أدبي أو فني أو علمي أيا كان نوعه أو طريقة التعبير عنه أو أهميته أو الغرض منه.
إلا أن للحماية القانونية شروطها، وهى: أن تتوافر في المصنف.. صفة الابتكار.. تنصب الحماية على التعبير على أفكار المؤلف، لا على الأفكار المجردة.. تنصب على المصنفات المحددة بطبيعتها، سواء طبيعة أدبية أو فنية أو علمية.. وأخيرا تنصب الحماية على المصنف بعد ظهوره.
فيما تشمل الحماية المصنفات التي يكون مظهر التعبير عنها الكتابة أو الصوت أو الرسم أو التصوير أو الحركة: "الكتب، المحاضرات والخطب والمواعظ، المسرحيات بأنواعها، الأعمال الموسيقية، أعمال الرسم والتصوير والنحت، الرسوم التوضيحية والخرائط وغيرها.
*حق المؤلف في بيئة النشر الإلكتروني:
مع شيوع النشر الإلكتروني، أثير السؤال حول كيفية حماية المؤلف على الصورة التقنية الجديدة.
فقد أكدت اتفاقية حق المؤلف في المادة 8 منها حماية المصنفات الرقمية التي تنشر عبر شبكة الإنترنت: "يتمتع مؤلفو المصنفات الأدبية والفنية بالحق الاستئثاري في التصريح بنقل مصنفاتهم إلى الجمهور بأي طريقة سلكية أو لاسلكية، بما في ذلك إتاحة مصنفاتهم للجمهور بحيث يكون في استطاعة أي شخص من الجمهور الاطلاع على تلك المصنفات من مكان وفى وقت يختارهما أي فرد من الجمهور نفسه..."
فيما تتميز البيئة الرقمية بالتاليحرية المستخدمين لشبكة الإنترنت.. الطبيعة العالمية للشبكة.. سهولة الاستنساخ مع صعوبة ضبط أشكال الاحتيال. وهو ما ينتج بسببه صعوبات قد تواجه المؤلف.. مثل صعوبة منع أو إيقاف النشر للمصنف، صعوبة حصول المؤلف على الحق المادي، تعدد واختلاف جهات الاختصاص القضائي، صعوبة ملاحقة المعتدين.
كل هذا في إطار أن النشر الإلكتروني، هو إتاحة نقل وتبادل المعلومات/المصنفات على شبكة الإنترنت، مما قد يبدو معه هروب المصنف من مؤلفه.
بينما النسخ الإلكتروني هو الشكل المادي للمصنف بعمل نسخ منه بأية وسيلة معروفة مثل الأقراص أو غيرها.
وعلى ما سبق، يمكن أن يتم النشر الإلكتروني دون إذن منه، بينما النسخ لا يجوز إلا بإذن من المؤلف صاحب الحق الأصيل.
يقترح "د. غالب شنيكات" في دراسة له طرق الحماية التالية:
أولا: الحماية القانونية.. تعتمد على التحذير قبل الاستخدام، والمعاقبة بعد إساءة هذا الاستخدام.
ثانيا: الحماية التقنية، بوضع تقنية تعيق إساءة الاستخدام من خلال مفاتيح الكترونية أو كلمات سر.. الخ.
• جرائم الإنترنت
أمام الحرية المتاحة في العالم الافتراضي عموما والنشر الإلكتروني، نشط البعض ممن يجيدون التعامل مع التقنيات الجديدة، بمستوى عال ورفيع، ومارسوا أفعالهم غير المشروعة، منها المنافي للقانون والأخلاق والدين، وربما للطبيعة البشرية السوية.. ونشطت الجريمة على الإنترنت.
هذا السلوك الاجرامي، والذي يمثل نمطا جديدا من الجرائم: التحويل الإلكتروني غير القانوني أو غير المشروع للأموال، سرقة المعلومات، تدمير المواقع، التجسس، الجنس وترويج الأفكار الهدامة، وغيرها. هذا السلوك دعا أهمية دراسة "الجريمة على الإنترنت.
*ما هي جريمة الإنترنت؟
هي كل الجرائم التي ترتكب بالاستخدام غير المشروع أو الاحتيالي للشبكات المعلوماتية، والتي تضم.. المساس بنظم المعلومات، الاعتداء على الحياة الخاصة، إرسال بريد الكتروني سيء، الاحتيال باستخدام بطاقة الائتمان، العنصرية ورواج أفكارها، غسل الأموال، المواقع الجنسية ,غيرها.
أي أن جريمة الإنترنت هي "مجموعة من الأفعال والأعمال غير القانونية التي تتم عبر الشبكة، أو تبث عبر محتوياتها"
*خصائص جريمة الإنترنت
تتميز تلك الجريمة بالآتي: الكمبيوتر أو الحاسوب هو الأداة التي يرتكب من خلالها الجريمة.. ترتكب الجريمة من خلال شبكة الإنترنت.. المجرم شخص صاحب مهارة متميزة في مجال الحاسوب.. وهى جريمة عابرة للحدود.. ينتج عنها إما ضرر معنوي أو ضرر مادي.. هي جريمة لا تترك لها أثر، كما أن اختلاف المواقيت بين القارات والبلدان والمكان مما يتيح ارتكاب الجريمة عن بعد.
وجريمة الإنترنت على عدة صور.. الجرائم الأخلاقية مثل نشر الفيروسات، سرق المعلومات، الاختراقات غير المبررة، تعطيل الأجهزة، انتحال الشخصيات، المضايقة بالملاحقة، التغرير والاستدراج، نشر الإباحية، النصب والاحتيال، وربما الاعتداء على الأموال وعلى أمن الدولة.
*ولأهمية دراسة جريمة الإنترنت، أعدت بعض الجهات دراسات حول المجرم عبر الإنترنت.. هو مجرم متخصص وعلى معرفة جادة في مهارات التقنية الرقمية، غالبا ما يعود إلى ارتكاب الجريمة، وهو مجرم غير عنيف وعلى قدر لافت من الذكاء والعلم.
كما تلاحظ أن من مجرمي الإنترنت صغار السن من النوابغ، أما الأكثر خطورة فهم الكبار المترفيو الذين ويسببون أضرارا متعمدة لأغراض مادية.
وقد يعد من مجرمي الإنترنت، ذلك عن طريق النشر، بأن ينشر ما قد يسيء إلى أمن الدولة التي ينتمي إليها.
*ومع ذلك تبقى جريمة الإنترنت ذات ملامح خاصة ومنها: صعوبة الإثبات (مثل تدمير الفيروس الذي استخدمه في تدمير أحد المواقع)، وهناك "الإنكار" في حالة التثبت بوجود موقع ما غير اخلاقى باسم ما ولا يوجد ما يوقن بأن هذا الموقع ينتسب له حتى مع وجود اسمه، ثم هناك صعوبة إثبات الاعتداء على الملكية الفكرية (عموما) لصعوبة إثبات الملكية أصلا.. ثم هناك صعوبة ملاحقة الجاني، نظرا للبعد المكاني المحتمل، إما لأن المرتكب استخدم اسما مستعارا، أو أن الجريمة ارتكبت من مكان بعيد.. بالإضافة إلى صعوبات في الإجراءات الجنائية.
السيد نجم
ميدل ايست أونلاين

في عصر الإعلام الالكتروني الرقابة اللاحقة” رديف “المُصادرة بعد الطبع”


ساتل – في آب/أغسطس من عام 2011 وفي سابقة وصفت في حينه، بأنها الاولى من نوعها في تاريخ الصحافة الأردنية اليومية، قامت ادارة تحرير صحيفة الدستور اليومية بسحب مقالة الكاتب في الصحيفة عريب الرنتاوي من على موقع الصحيفة الإلكتروني بعد نشرها، ووضعت مكان المقالة عبارة “نعتذر عن هذا الخلل” فيما بقيت المقالة على النسخة الورقية للصحيفة.. كان دافع صحيفة الدستور لإزالة المقالة محاولة احتواء الضجة التي أحدثتها المقالة التي حملت عنوان (من اي اناء ينضح هؤلاء الإصلاحيون؟!) .
قبل ذلك التاريخ بأشهر قام موقع عمان نت الإلكتروني بسحب مادة إخبارية من على الموقع بعد نشرها ببرقية مترجمة عن وثائق ويكليكس تتحدث عن ولي العهد الامير حسين بن عبد الله، وقال المسؤولون عن الموقع حينها أن اتصالاً من الاجهزة الامنية بإدارة الموقع  يطلب إزالة الخبر كان السبب في سحب المادة.
وتكرر ذات الموقف مؤخراً  مع الموقع حين تعلق الأمر بما بات يُعرف بـ”ملف الفوسفات” فبعد أن نشر الموقع  وثائق تتحدث عن شراكة بين رئيس مجلس ادارة الشركة والامير جيفري شقيق سلطان بروناوي، إتصلت الأجهزة الأمنية بالموقع وطلبت إليه إزالة الوثائق، وبالفعل أزيلت الوثائق عن الموقع بعد ساعات قليلة من نشرها، كما تقول مصادر في الموقع فضلت عدم الكشف عن هويتها.
وآخر ما سُجّل في هذا الإطار قيام ادارة  تحرير صحيفة العرب اليوم بسحب مقالة للكاتب محمد حباشنة عن الموقع الإلكتروني للصحيفة حمل عنوان (لن اعيش في جلباب غبي) فيما بقيت المقالة على النسخة الورقية من الصحيفة .
ظاهرة سحب المواد الصحافية بعد النشر سواء أكانت أخباراً أم مقالات بدأت تشق طريقاً لها في عالم الرقابة على الإعلام في الأردن الذي يدخل في إطاره أشكال عديدة مثل الرقابة المسبقة والرقابة الذاتية وغيرها من انواع الرقابة التي اضيفت اليها (الرقابة اللاحقة) التي تعني التدخل في المادة الصحافية لجهة الشطب أو التعديل بعد النشر.
المواقع الإلكترونية…المُستهدف الأول:
قليلا ما تتعرض الصحافة المطبوعة للرقابة اللاحقة نتيجة قوة جهاز الرقابة الذاتية داخل الصحف على كل ما ينشر، ويمكن القول أن حالات الرقابة اللاحقة في الصحافة المطبوعة محدودة بإستثناء حالتي الدستور والعرب اليوم.
ويجزم العاملون في المهنة أن المواقع الإخبارية الإلكترونية هي الأكثر تعرضا لهذا الشكل الجديد من اشكال الرقابة نتيجة طبيعتها التقنية التي تسمح بالتغيير والتبديل والشطب والإزالة إضافة الى طبيعتها التفاعلية.
يقول مدير تحرير موقع عمان نت محمد عرسان : تعرضنا خلال عملنا الممتد لأكثر من سبع سنوات لحالات عديدة من “الرقابة اللاحقة” حيث تتدخل جهات غالبا ما تكون أمنية تطلب إزالة خبر منشور على الموقع. ويؤكد عرسان ان هذه الظاهرة تراجعت قليلا بعد الربيع العربي وتخطي الصحافيين لحاجز الخوف.
ويوضح بالقول أن المواقع الإلكترونية هي الأكثر تعرضاً لهذا الشكل من أشكال الرقابة النادر الحدوث في الصحافة المطبوعة المقيدة اصلاً بعامل الرقابة الذاتية إضافة الى التشريعات القانونية التي تجعل من ممارسة الرقابة اللاحقة على الصحافة المطبوعة أمراً غير وارد أصلاً.
فيما يرى مدير تحرير موقع “عمون “عمر العساف ان “الرقابة اللاحقة” أصبحت شكلٌ جديدٌ من أشكال الرقابة على الإعلام. ورغم أنه لا يرى أنها تشكل ظاهرة حالياً إلا أنها تعتبر محدد لعمل الإعلام. ويرى العساف أن هذا الشكل من أشكال الرقابة لا يفيد في ظل الإنتشار الإعلامي الإلكتروني بسبب الطبيعة التقنية للمواقع الإلكترونية حيث تنقل المواقع عن بعضها البعض بسرعة كبيرة.
ويتابع بالقول أن الأخبار التي غالباً ما يُطلب إزالتها عن الموقع تكون بسبب التعليقات المرافقة لها وليس بسبب مضمونها هي بالذات. ويؤكد أن معظم حالات “الرقابة اللاحقة” تمارسها الأجهزة الأمنية تليها جهات مجتمعية ومتنفذة، ويشير إلى أن “الرقابة اللاحقة” على المادة الإعلامية دفعتهم في موقع “عمون” لزيادة مستوى الرقابة الذاتية.
قبل مدة أزال موقع عمون مقالة للكاتب فايز الفايز بعد ساعات قليلة من نشرها، إنتقد خلالها الكاتب العاملين في الديوان الملكي والمستشارين المحيطين بالملك، ولكن تبين بعد إزالة المقالة عن الموقع أنها نُشرت في مواقع إخبارية اخرى بحيث لم يجد هنا اسلوب “الرقابة اللاحقة” نتيجة الطبيعة التقنية للمواقع الإلكترونية.
رقابة خارج القانون
تنحصر المواد الإخبارية التي تطالها “الرقابة اللاحقة” في قضايا محددة أبرزها القضايا التي تتعلق بالقصر الملكي والقضايا الامنية والقضايا المجتمعية الحساسة مثل موضوع الوحدة الوطنية والعشيرة والدين.
وتمارس العديد من الجهات أسلوب “الرقابة اللاحقة” وأكثر الجهات ممارسة لهذا الاسلوب الجهات الأمنية يليها مسؤولون في الحكومة والدولة، ومن ثم الشخصيات المتنفذة سواء كانت سياسية أم عشائرية..ولقطاع الأعمال نصيب في فرض “الرقابة اللاحقة” على الإعلام الإلكتروني.
ويتم هذا الشكل من اشكال الرقابة عادة بإتصال هاتفي تتلقاه الوسيلة الإعلامية من الجهة المتحفظة على مضمون الرسالة الإعلامية،  ولا تأخذ “الرقابة اللاحقة” الطابع القانوني، بل تأتي غالباً بشكل شخصي من الجهة  المتحفظة على الرسالة الإعلامية ويكون طلب ازالة المادة وحذفها بصيغة “الرجاء” و”المونة” بحسب ما يؤكد إعلاميون تعرضوا لهذا الشكل من اشكال الرقابة.
ولكن حين تمارس بعض الجهات الرقابية الإعلامية الرسمية هذا النمط من الرقابة، تحاول في بلعض الأحيان إرتداء عباءة القانون عندما تطلب من الوسيلة الإعلامية حذف المادة بعد نشرها كما حدث مع موقع “خبرني” قبل مدة عندما تلقى الموقع اتصالا هاتفيا من مدير دائرة المطبوعات والنشر يطلب فيه ازالة مقالة للكاتب الصحافي المغترب خالد كساسبة بعنون (آه يا بلد) تحدث فيه عن تعيين محمد صقر مديرا لمنطقة العقبة الإقتصادية الخاصة بحجة أنه لم يمض على حصوله على الجنسية الأردنية سوى سبع سنوات. وحسب القائمين على الموقع فقد سألوا مدير المطبوعات والنشر عن الجهة التي يمثلها بطلب إزالة المقال، أجاب بأنه يمثل الجهات الحكومية وان طلب إزالة المقال جاء اثر صدور فتوى رسمية تفيد بقانونية تعيين محمد صقر في منصبه. ويؤكد القائمون على الموقع أنهم تلقوا تهديدات مبطنة بـ”تفعيل القانون” مما اضطرهم لإزالة المقالة.
يؤكد الخبير القانوني في التشريعات الإعلامية خالد خليفات ان الرقابة اللاحقة شكل من أشكال الرقابة التي تتم خارج إطار القانون ويشرح بالقول: هذا النوع من الرقابة حل بدلا من المصادرة بعد الطبع التي كانت سائدة في السنوات الماضية اعمالا لقانون المطبوعات والنشر حيث سجلت عشرات حالات المصادرة لصحف وكتب بعد طبعها تحت مسمى مخالفة القانون، وانتهى هذا الامر بعد تعديل قانون المطبوعات والنشر …. ويتابع مصادرة المضمون الصحافي بعد نشره أمر غير قانوني وما يحدث أن بعض وسائل الإعلام تستجيب بالفعل لطلب إزالة المادة بعد نشرها لدوافع وأسباب عديدة منها الخوف أو المصلحة.
يقول خليفات: ينبغي أن يكون القضاء هو الفيصل في قضايا من هذا النوع…ولجوء أية جهة لطلب إزالة المادة الصحافية بعد نشرها أمر مخالف لحرية الرأي والتعبير…وإذا تضمنت المادة أية مخالفة لأحكام القوانين يمكن اللجوء للقضاء بدلاً من ممارسة أسلوب “الرقابة اللاحقة” عليها.
تهديد جديد لحرية الإعلام
يصف مدير مركز حماية وحرية الصحافيين نضال منصور أسلوب “الرقابة اللاحقة” على ما ينشر في وسائل الإعلام بأنه شكل جديد من أشكال الرقابة التي تهدد حرية الإعلام وحرية الراي والتعبير. ويوضح أن “الرقابة اللاحقة” هي محاولة من محاولات السيطرة على المحتوى الإعلامي خلافاً للمعايير المهنية.
ويقارن منصور بين “الرقابة المسبقة” على المحتوى الإعلامي وبين “الرقابة اللاحقة” فيقول في “الرقابة المسبقة” لا نستطيع أن نتحقق فعلياً من أن ضغوطا قد حدثت بالفعل أدت لـ”فلترة” المادة الإعلامية لأن المحررين في قاعة التحرير يتعللون بالموضوعية والمهنية، ولأنه لا توجد مدونات سلوك مهني في المؤسسات الإعلامية فمن الصعب إثبات واقعة “الرقابة المسبقة”…ويتابع بالقول أنه ومنذ ما يزيد عن خمسة سنوات أخذ مسؤولو التحرير في الصحف دور وموقع الأجهزة الأمنية في مراقبة المحتوى الإعلامي، ما تسبب في ارتفاع منسوب الرقابة الذاتية.
ويرى منصور أن ما ساعد على إتساع ظاهرة “الرقابة اللاحقة” دخول وسائل الإعلام الجديدة حيث اصبح لدى اجهزة الرقابة اشكالية جديدة وكبيرة في السيطرة على مضمونها الإعلامي نظراً للعدد الكبير لهذا النوع من وسائل الإعلام…ففي السابق كان من السهل السيطرة على المضمون الإعلامي نظراً لمحدودية وسائل الإعلام…ويرى منصور أن العدد الكبير لوسائل الإعلام الجديدة سبب رئيس لظهور مفهوم “الرقابة اللاحقة”  على المضمون الإعلامي، ويشير منصور إلى أن الصعوبة في رصد هذه الظاهرة تكمن في القدرة على تحديد المؤسسات الإعلامية التي تستجيب لهذا النوع من الرقابة التي تتم خارج إطار القانون.
ويؤكد منصور ان خطر “الرقابة اللاحقة” لايقل عن خطر “الرقابة المسبقة” على المضمون الإعلامي، إلا أن الرقابة الذاتية تبقى أخطر اشكال الرقابة على الإطلاق.
 
مرصد الإعلام الأردني
 

النشر الإلكتروني والقانون

ورقة مقدمة إلى المؤتمر الاقليمى
الانترنت وحرية الرأي والتعبير و فى الشرق اﻷوسط و شمال أفريقيا
القاهرة، 11 – 13 يناير/ 2011
إعداد:
روضة أحمد
محامية ، ونائب المدير التنفيذي
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
النشر الإلكتروني والقانون
أولا النشر الإلكتروني (الصحافة الإلكترونية/الشبكات الاجتماعية) خصائصه والفرق بينه وبين الصحافة التقليدية:
تيميز النشر الإلكتروني بالعديد من الخصائص التي تجعله مختلف بدرجة كبيرة عن الصحافة التقليدية ورقية ، مسموعة ، مرئية” ومن هذهالخصائص :
  1. صحافة تفاعلية ، حيث يمكن يشارك في تحريرها واستقبالها الجمهور، بما يجعلها مختلفة عن الصحافة التقليدية التي يكون دور الجمهورفيها متلقيا فقط.
  2. تختلف الرقابة على المحتوي الإلكتروني عن مثيلتها فى الصحافة التقليدية، ففى المحتوى الإلكتروني على سبيل المثال المدونات لا يوجد عليها رقيب، لذا فالمشكلة تتمثل فى الملاحقات القضائية التى تتبع النشر، أما فى الصحافة التقليدية فهناك سلسلة من الرقابة كرؤساء التحرير والرقابة الأمنية وغيرها.
  3. سهولة استرجاع الخبر أو الرأي أو المعلومة عبر الأرشفة الاليكترونية ، ودون جهد أو عبئ يذكر.
  4. إمكانية إخفاء الهوية للكاتب أو الصحفي أو المدون ، وهو ما يعرف بالمجهولية.
  5. السرعة الشديدة في انتشار الموضوع خبر ، مقال ،رأي ، تحقيق صحفي … الخ” عبر الأدوات التي تتيحها شبكة الانترنت والشبكاتالاجتماعية مثل خاصية الـ RSS ، تويتر ، محركات البحث ، الفيس بوك ، وغيرها.

ثانيا قضايا النشر والصحافة الاليكترونية
إذا القينا نظرة سريعة على قضايا النشر أو قضايا الرأي التي تشهدها أغلب المحاكم العربية ، لتبين لنا أن نسبة كبيرة لا يستهان بها ، تتعلق بالنشرعلى شبكة الانترنت ،كما أن نسبة كبيرة من هذه القضاياالنشر على الانترنتتتعلق بالتشهير والسب والقذفسواء بسبب مقال أو موضوعمنشور على صحيفة اليكترونية أو مدونة أو منتدى أو حتى موقع الفيس بوك أو غيره، أو بسبب تعليق كتبه شخص على هذه الموضوعات ، وقديكون كاتب التعليق شخص معرف أو مجهول ، وفي اغلب هذه القضايا ، يكون المسئول عن الموقع في حالة عدم معرفة كاتب الموضوع محلالاتهام أو التعليق” هو المتهم، وهو ما أرستة محكمة جنح العجوزة الجزئية فى دعوى السب والقذف المقالمة من أحد أعضاء نقابة المهن التمثيلية ضد نقيب المهن التمثيلية، حيث نصت فى حكمها على وحيث أنة لما كان ما تقدم وترتيبا علية، وكانت المحكمة قد طالعت أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الإتهام ووازنت بينها وبين أدلت النفي فرجحت دفاع المتهم وداخلها الريبة فى صحت عناصر الإثبات وتشككت فى صحة إسناد التهمة ولم تطمئن إليها وقد خلت الأوراق من وجود دليل مقنع يكفي لتكوين عقيدة المحكمة لاسيما وأن كافة ما قررة المدعي بالحق المدني من وقائع سب وقذف نسبها للمتهم هى وقائع تم نشرها فى مجلات وعبر شبكة المعلومات الدولية الإنترنت” لا يوجد دليل على نسبتها على المتهم أو قيامة بالإدلاء بهذة الحوارات أو التصريحات وتنوة المحكمة أنها لو عاقبت المتهم وفقا لما قررة وقدمة المدعي بالحق المدني من مستندات قوامها الجريدة المنشور بها الحوار أو صورة من المقال أو التصريح المنشور على الإنترنت لمتلأت ساحات القضاء الجنائي بالمتهمين بلا سند أو دليل جديودافع تطمئن إلية المحكمة“)
ورغم أن أغلب القضايا المتعلقة بالنشر تعتمد على توافر شرط العلانية ، إلا أن هذا الشرط تحديدا ورغم أن شبكة الانترنت تتيح التوسعوالانتشار، قد لا يكون-العلانيةمتوفرا في بعض هذه القضايا ، وذلك حينما تقوم بعض المواقع إلى وضع إعدادات خاصة تجعل الحوار أوالموضوع محل المحاكمة غير علني وغير مسموح بالاطلاع عليه سوى لدائرة أو أشخاص محددين ، مثل غرف الدردشات الخاصة أوالمجموعات المحددة الجروب” وغيرها.
أيضا ، فبعض الدول تقوم على ضم مزودي خدمة الإنترنت أو موفري الخدمة أصحاب ومدير مقاهي الانترنت” إلى المتهمين في القضية بزعمإساءة استخدام خدمة الاتصالات” .
ثالثا الاتهامات الأكثر شيوعا للصحافة الاليكترونية :
  1. السب والقذف(التشهير).
  2. توجيه الإهانة لـ (رئيس الجمهورية ، الملك ، الأمير ، هيئة رسمية ونظامية …. الخ).
  3. نشر أخبار كاذبة وشائعات.
  4. اعتداء على الملكية الفكرية.
  5. الابتزاز والتهديد بالتشهير.
  6. نشر مواد مخلة بالآداب العامة.
  7. تهديد الأمن القومي والسلام الاجتماعي.
  8. النصب وانتحال صفة الغير.
  9. إساءة استخدام وسائل الاتصالات.
  10. نشر وثائق سرية وغير معدة للتداول العام.
  11. تقديم خدمة بث سمعي أو بصري دون تصريح.

رابعا هل تكفي قوانين الصحافة التقليدية للتعامل مع الصحافة الاليكترونية ؟
لا نعتقد أن قوانين الصحافة التقليدية في العالم ومع افتراض أنه قد يتم تعديلها لتصبح ملائمة ومنظمة لعمل الصحفيين ولا تحد من حرية الصحافة ،ملائمة وصالحة للتطبيق على الصحافة الاليكترونية ، لماذا؟
الإجابة ، أن الطبيعة الخاصة والمختلفة للصحافة الاليكترونية التي اشرنا إليها ، تتطلب وضع تشريعات قادرة على التعامل مع هذا النمط الجديدمن الصحافة ، لاسيما وأن الفروق تبدو غير مرئية بين الموقع الإخباري وغيره من المواقع ، الأخرى ، فضلا عن أن سرعة تبدل مستخدمالانترنت من حالة التلقي إلى حالة صانع الخبر أو ناشره تجعل من الصعب إلصاق صفة صحفي بكل مستخدمي ومحرري مواقع الانترنت.
أيضا ، يوجد إلتباس فى أدوات النشر الإلكتروني فى تصنيف المحتوي حيث يمكن أن يمتزج الخبر بالرأي ونأن المعلومة بالخيال ، وصعوبة تحديدتوافر العلانية من جانب و سوء أو حسن النية من جانب أخر.
وعلى الرغم من أن المتعارف عليه في العالم العربي من أن قوانين الصحافة تستهدف التقييد وليس التنظيم ، إلا أن القاعدة أن القانون يأتي لتنظيمممارسة حق ما أو كفالة حق ، ومن هنا فلابد من وضع قوانين جديدة قادرة على التعامل مع خصائص الصحافة الاليكترونية ولو إلى حين ، نظراللتطور الذي تشهده شبكة الانترنت والتقنيات التي يتم اكتشافها يوما بعد يوم.
أمثلة توضح صعوبة أن تتعامل القوانين الحالية مع الصحافة الاليكترونية :
  1. محمود شاب مصري ، يقيم في المغرب ، قام بحجز دومين من شركة أمريكية ، وهوست من شركة انجليزية ، كتب مقال ينتقد فيه وزيرسوري ،ونشره أثناء وجوده في الأردنفمن يحاكمه؟ وما علاقة شركة الهوست بالقضية؟ ومن يفرض حجب الموقع؟
  2. كتب هشام مقال عن رجل دين في مدونته ، وبعد أسبوع وجد تعليق يتضمن سب في رجل الدين ، فقام بمسحهإلا أنه فوجئ بإنذار منالمحكمة بأنه متهم بالسب والقذف نتيجة قراءة رجل الدين لهذا التعليق الذي يتضمن سبا فيه قبل أن يمسحه هشام.
فما مسئولية هشام عن هذا التعليق؟ هل يتم تبرئته باعتبار أنه مسح التعليق قبل أن يعلم أن رجل الدين أقام قضية ضده؟ هل يعتبر مسحه للتعليقحسن نيه؟ أم يعاقب لأنه ترك التعليقات دون رقابة وأتاح فرصة نشرها مباشرة دون تحكم بها؟ هل يدفع بأن رجل الدين لم يخطره أو يطلب نشرتصحيح؟
  1. استأجر سامح محلا وقام بتجهيزه كمقهى انترنت ، وفوجئ بعد فترة بأجهزة الأمن تقتحم المقهى ، وتلقي القبض عليه وتصادر الأجهزة ،لأنه متهم بتسهيل الابتزاز واستخدام برامج كمبيوتر غير أصلية!
واتضح له أن احد زبائن المقهى قام بتركيب برنامج جرافيك ، واستخدمه في تغير وتعديل بعض الصور لرجل إعمال وجعله يبدو في أوضاع غيرلائقة وقام بتهديده عبر الايميل ، فتم تتبع الـ IP الخاص بالايميل حتى توصلت أجهزة الأمن لمقهى الانترنت.
كيف يثبت سامح ألا علاقة له بالقضية؟ وهل بالفعل لا علاقة له بالقضية؟ وهل يعاقب على تسهيل الابتزاز كشريك أو فاعل أصلي؟ وهل مطلوبمنه أن يراقب زبائن المقهى؟

عبر خبرة محامين الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في القضايا المتعلقة بالصحافة الإليكترونية ،فهذه الأمثلة كثيرا ما تواجه القضاة ومكاتبالمدعي العام ، وغالبا ما تكون قدرة بعض القضاة أو ممثلي النيابة العامة على إيجاد مخارج أو حلول قانونية لها عائد إلى كونهم من مستخدميشبكة الانترنت ومعتادين عليها ، وليس لقدرة القانون وشموله لمخارج لتلك الأمثلة وغيرها.
صدور حكومين قضائيين على واقعتين شبه متناقضتين يوضح مدى الغبن الذي قد يتعرض له مستخدمي شبكة الانترنت نتاج قلة أو انعدام خبرةممثلي الهيئة القضائية بطبيعة النشر الإليكتروني.
القضية الأولى الحكم على المواطن (سبالحبس سنة لأنه أرسل لمسئول بالسفارة الأمريكية بريدا اليكترونيا يحذره فيها من السفر لمدينة أسيوطفي عام 2004، حيث كان الدليل ضده هو هذا الايميل ، رغم أن مسئول السفارة الأمريكية لم يتقدم بشكوى لأجهزة الأمن ، ولم يخطر في بالممثل النيابة العامة وكذلك القاضي الذي أصدر الحكم ، أن يسألا ضابط الشرطة الذي قدم هذه الرسالة الاليكترونية كيف تحصل عليها ((حيثتحصل عليها ضابط الشرطة عن طريقة قرصنة ومراقبة ايميل المتهم (سدون إذن قضائي )) رغم أن الدليل المتحصل عليه بطريق غير قانونيلا يعتد به.

القضية الثانية : أتهم المواطن أبأنه يرسل معلومات وأخبار كاذبة لبعض الصحف والمؤسسات الحقوقية عبر الإيميل مما يسيء لسمعة مصر– وهذه جريمة طبقا لقانون العقوبات المصريوتم تقديم هذا الايميل كدليل في القضية ، ولولا إصرار الدفاع عن معرفة كيفية حصول الضابطعلى هذا الإيميلكان أيضا عن طريق مراقبة الإيميل وقرصنتهوتوضيحهم للقاضي أن الطريقة الوحيدة لأن يصبح هذا الدليل قانوني هوصدور أذن قضائي بمراقبة أيميل المتهم ، في حين خلت أوراق القضية من أي إذن ، مما يوجب على المحكمة استبعاد هذا الدليل ، وبالتالي صدرالحكم على المتهم بالبراءة.

خامسامتى وكيف نحاكم الصحفي الإلكتروني؟
يجب بداية أن تتوافر لدي القائمين على تطبيق القانون ورجال القضاء قناعة بالطبيعة المختلفة للنشر الإلكتروني ، خاصة وأن هذة الطبيعة فرضت عدة أطراف متداخلة (مزودي الخدمة ، الصحفي ،منتِج المحتوى، الجمهور المتفاعل والمعلق على الخبر ،المواقع الأخرى التي تنقل الموضوع ، ومواقع الشبكات الاجتماعية ,,,, الخأو طبيعة أعدادات الموقع التقنية التي تسمح بتوافر أو عدم توافر شرط العلانية ، وكذلك ضرورة افتراضحسن النية من حيث المبدأ ، فضلا عن أهمية التفريق بين حق النقد مهما كان حادا ، وبين التشهير والسب والقذف وأن يفسر التداخل بينهما لصالحالصحفي وحرية الصحافة.

متى يحاكم الصحفي الإلكتروني/منتِج المحتوى؟
بداهة ، يحاكم عندما يخالف نص القانون بشكل واضح ولا لبس فيه ، وبعد نفاذ الوسائل التي ينبغي أن يضعها القانون المقترح مثل حق الرد ،انذرا بحذف مقال أو تعليق، عرض على لجنة للنزاعات الصحفية أو لجان وساطة ، إرسال شكوى للجنة الشكاوي بنقابة الصحفيين ، القبولبلجان التحكيم القانونية).

التعليقات على المواقع الإلكترونية
و المسئولية القانونية

التعليق هو ما يكتبه زوار الموقع أو المنتدى أو المدونة من تعليقات و ردود و تعقيبات على هامش المتن الأساسيأحيانا تتحول التعقيبات إلىنقاشات بين أطراف عديدين و تتطور بما يختلف عن الموضوع الأصلي و قصد الكاتب.
أحيانا يكون الكاتب هو ذاته مدير الموقع، و ذلك في حالة المواقع الشخصية؛ و في أحيان أخرى لا تكون للكاتب سوى صلاحية إيداع مساهماته،سواء كانت موضوعات أساسية أو تعقيبات؛ بينما قد تنحصر صلاحية الرقابة على التعليقات في مدير الموقع، الذي يمكنه أيضا تعديل أي محتوىفي أي وقت.
• الرقابة السابقة و الرقابة اللاحقة

الرقابة السابقة هي مراقبة مدير الموقع للتعليقات الواردة قبل أن ينشرها بفعل منه في الحيز العام من الموقع.
الرقابة اللاحقة هي أن تُشر التعليقات آليا فور إيداع المعلقين لها دون تدخل من مدير الموقع.

• ما نطاق مسؤولية كاتب الموضوع أو مدير الموقع عن المنشور في موقعه؟
المبدأ أنه لا تجوز مساءلة شخص عن فعل ارتكبه غيره، وهذا يعني أن كاتب الموضوع لا يُسأل سوى عما كتبه بنفسه و نشره.

• ماذا عن التعليق الذي قد يتضمن إساءة أو تجريح لشخص آخر الذي كتبه زائر للموقع أو المدونة؟
في حال ما رأى شخص أن تعليقا منشورا في موقع يتضمن إساءةً أو تجريحا لشخصه سواء على مدونة أو موضوع منشور على منتدى فتوجدالحلول التالية:

يمكن للمتضرر المشاركة بالتعقيب و التعليق مستخدما الآليات التي يتيحها الموقع لمشاركة القراء لتوضيح موقفه بالشكل الذي يراه.
يمكن للمتضرر أن يوجه إنذار قانونيا على يد محضر لمدير الموقع يخطره فيه أنه وجد في موقعه ما يراه إساءة أو تجريحا لشخصه فيالصفحات المعينة بمساراتها على الإنترنت، ويطلب منه حذف محتواها، أو يطلب نشر تعقيبه أو رده خلال أسبوع عمل، عملا بحق الرد إذا كانقد أودع تعقيباتكما يمكن أن يكون الإخطار بموجب خطاب مسجل يذكر فيه نوع الإساءة ويطلب نفس الطلبات (الحذف أو نشر توضيح أوالرد).

يقع عبء إثبات إرسال شكوى إلى مدير الموقع حول تضمُّن التعليقات إساءة على من يدعي ذلك، ولا تجوز مُساءلة مدير الموقع عن أي تعليقسوى بعد إثبات تلقيه شكوى المتضرر من ذلك التعليق المعين (إنذار، أو خطاب مسجل، أو بريد إلكتروني مؤكدكشكوى من إساءةتوجد آلياتتقنية تمكّن القراء من إبلاغ مدير الموقع برسالة تلقائية عن تعليق يرونه مسيئا، و ذلك بمجرد ضغط زر أو اتّباع رابط مُبين إلى جوار كل مداخلةتعليق،و في حال وجود مثل هذه الآلية ينبغي على الشاكي استخدامها أولا قبل اللجوء لغيرها.

• ما نطاق مسؤولية مدير الموقع في حال امتناعه عن نشر تعقيب أو توضيح الشاكي، أو عن حذف المحتوى محل الشكوى بعد ثبوت تلقيه طلبابذلك؟
في هذه الحالة يعد شريكا و ليس فاعلا أصليا لأنه يكون بذلك في موقف الموافق على النشر الذي تضمن إساءة (إن ثبتت)،و هو نطاق مسؤوليةرئيس التحرير عند رفضه التمكين من حق الرد.

ما يحتاجة التقاضي فى مجال النشر الإلكتروني:
  1. دور الحكومات :
  1. وضع قانون ينظم النشر الإلكتروني، يواكب أحدث التطورات التقنية ، يشارك في وضعه خبراء تقنيين ، ورجال قانون ، ومدافعين عنحرية الصحافة ،ونقابة أو اتحاد الصحفيين.
  2. أن تكون الجرائم التي ينص القانون عليها محددة بشكل واضح وصريح ولا تحتمل التأويل أي لا تتصف بالمرونة والعمومية.
  3. أن تكون العقوبات مدنية وليست جنائية ، ومتدرجة بدءا من حق الرد ، وطلب الحذف، والتصحيح ، وصولا للتعويض المتوائم مع حجمالضرر إن حدث.
  4. ألا يتضمن القانون بحال من الأحوال الزج بمزودي الخدمة في أي قضية نشر إلكتروني.
  5. أن يلغى في القوانين المختلفة أي نص يتعارض مع القانون المستهدف طالما تعلقت الواقعة بالنشر (سواء خبر أو مقال أو تحقيق صحفي، أو صورة ..الخ).
  6. العمل على إصدار قوانين تكفل حرية تداول المعلومات والكشف عن الوثائق وسريتها وإلزام الجهات الإدارية به.
  1. دور الجهات القضائية:
  1. سرعة الفصل في القضايا المتعلقة بالنشر الإلكتروني، المستند لفهم طبيعة النشر.
  2. عقد دورات للقضاة وأعضاء النيابة العامة متخصصة ، تتيح على الأقل فهم القواعد والتعريفات الأساسية للانترنت مثل” من هو مزودالخدمة ، الهوست ، الدومين ، التعليقات ،الاي بي ، المتعرف على المواقع الأساسية ضمن ما يعرف بالشبكات الاجتماعية – الفيس بوك، تويتر – فليكر – يوتيوب- “.
  3. الاعتماد في القضية التي تستحق تقرير فني على خبرات تقنية متخصصة نظرا لان العديد من القضايا يكون جهاز الشرطة طرفا فيها أوعبرها ، مما يجعل المتهمين يشككون في الأجهزة التقنية التابعة لجهاز الشرطة“.
  4. الحياد التام والمساواة بين الخصوم في قضايا النشر والتعامل بنفس الجدية في أي شكوى أو قضية بغض النظر عن أطرافها.
  5. عدم إصدار الأحكام التي تتسم بالعمومية أو التي تتيح لجهات الإدارة أن تطغى على سلطات القضاء.
  6. التوسع في مفهوم حرية النقد لأقصى درجة ، والتضييق الشديد على مفهوم التشهير والسب والقذف.
  1. دور الصحفيين:
  1. الابتعاد قدر الإمكان عن الألفاظ التي قد تفهم على أنها تجريح أو تشهير.
  2. قراءة القوانين الخاصة بالنشر بكل أنواعها (صحافة تقليدية ، الكترونية ، مطبوعات ,,, الخ)لمحاولة تفادي الوقوع في قضايا النشر وعدمالتعلل بالجهل بالقانون.
  3. محاولة توضيح طبيعة المادة المنشورة سواء خبر أو رأي أو معلومة.
  4. مطالعة التعليقات المنشورة على مواقعهم بشكل دوري وكذلك الإيميل الخاص بهذه المواقع.
  5. مراعاة قوانين الملكية الفكرية عند النشر ، والإشارة للمصدر ، والتعرف على الطريقة العلمية لطبيعة الهامش أو المصدر المأخوذ عنمواقع الانترنت يذكر اسم الموقع ، عنوان الموضوع ، تاريخ نشر الموضوع ، تاريخ الإطلاع عليه ،مع وضع رابط له).
  6. الابتعاد قد الإمكان عن صيغ الجزم والتأكيد على صحة الخبر أو المعلومة ، واستخدام التعبيرات التي تتيح فرصة التصحيح ، وكذلكالحفاظ على تسجيلات المصادر لأطول فترة ممكنة.
  1. دور النقابات واتحادات الصحفيين:
  1. توسيع قاعدة العضوية وتسهيلها بما يتيح انضمام صحفيي الإنترنت.
  2. عمل دورات للصحفيين على استخدام شبكة الانترنت والتعرف على خصائص النشر الإلكتروني ، والفرق بينها وبين الصحافة التقليدية.
  3. تفعيل لجان الشكاوي بها ، بما يمنحها المصداقية لدي أطراف الجمهور والمسئولين بما يدفعهم للجوء إليها بدلا من القضاء.
  4. الدفاع الحقيقي عن أعضاءها بغض النظر عن اعتبارات وسلطة خصوم الصحفيين في قضايا النشر.

حث قانوني في " الانترنت وحرية الرأي والتعبير "



الانترنت وحرية الرأي والتعبير

روضه أحمد سيد[1


مقدمة
أصبح الانترنت أكثر الوسائل انتشارا للتعبير عن الرأي حيث أعطي مساحة لكل فرد في كل المجتمعات لكتابة ما يدور حوله وعرضه علي شبكة الانترنت في فترة وجيزة ، وكذلك التعبير عن أراهم ووجهة نظرهم الشخصية وأصبح الانترنت أكثر الوسائل لتداول المعلومات دون مراعاة للحدود في وقت تتزايد فيه أهمية العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية في ظل علاقات دولية ومصالح اقتصادية شديدة التداخل والارتباط مما يضفي أهمية لدراسة العلاقة بين القوانين الوطنية ومدي توائمها مع القانون الدولي والمعاهدات الدولية فيما يخص استخدام الانترنت .

الانترنت والقانون الدولي

نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ديسمبر1966 ، في المادتين 18 و19 منه علي:

المادة 18

1. لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة

.2. لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.

3. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.

المادة 191.

لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.

2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.

3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:

(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،

(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.

وفي الدستور المصري نصت المادة 47 من الدستور أن :- "حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني "

وكذلك نص قانون تنظيم الصحافة 96 لسنة 1996 علي أن " الصحفيين مستقلون لا سلطان عليهم في أداء عملهم لغير القانون .

" كما ينص كذلك علي أنه " لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو المعلومات الصحيحة التي ينشرها سببا للمساس بأمنه ، كما لا يجوز إجباره علي إفشاء مصادر معلوماته .

" ورغم أن الدستور والقانون يكفل حرية الرأي والتعبير، نجد هناك الكثير من القضايا والإحكام بسبب النشر علي الانترنت كما في حالة :- · المدون كريم عامر بسبب مقالاته علي الانترنت حيث تم فصله من كلية الشريعة والقانون جامعة دمنهور بسبب نشرة ثمانية مقالات علي مدونة خاصة به علي شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) وقام عمداء الجامعة بتقديم بلاغ للنيابة العامة للفصل في الشق الجنائي وتم الحكم علية بأربعة سنوات سجن .· عبد المنعم محمود وهو شاب مدون محسوب على جماعة الإخوان المسلمين.

· وكذلك القبض علي مسئولي موقع مسيحيي الشرق الأوسط في مصر والتحقيق معهم بسبب ما يتم نشره علي الموقع الخاص بهم . مما يضع الدستور والقوانين المصرية والقضاء المصري في دائرة انتهاك القوانين والمعاهدات الدولية والتي أصبحت جزء لا يتجزأ من الثقافة والتطور الإنساني العالمي.

وعن العلاقة بين القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية يوضح المستشار سناء سيد خليل في دراسة بعنوان " ان مشرع الدستوري المصري انتهج النظام الذي يجعل الاتفاقيات الدولية لها مرتبة القوانين حيث أن الاتفاقيات الدولية بوجه عام وفقاً للنظام القانوني فى مصر،

فطبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 151 من الدستور تحتل ذات المكانة التى تتمتع بها القوانين على المدراج التشريعي، وهى تلى مباشرة الدستور حيث يجرى نص الفقرة سالفة الذكر بأن رئيس الجمهورية هو المنوط به إبرام الاتفاقيات الدولية وإبلاغها لمجلس الشعب بما يتناسب من البيان، وتكون للاتفاقية قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً للأوضاع المقررة وقد أوردت الفقرة الثانية من الدستور الأحوال التى تتطلب موافقة مجلس الشعب عليها قبل النشر وهى الاتفاقيات الخاصة بالصلح أو المتعلقة بالسيادة أو التجارة أو النقل أو التى يترتب عليها أعباء مالية.

وترتيباً على ذلك فان الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته، تعتبر بعد الموافقة على الانضمام إليها ثم التصديق عليها ونشرها بالجريدة الرسمية للبلاد وذلك عملاً بالمادة سالفة الذكر بمثابة قانون من القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية،

وبالتالي تعتبر نصوصها من النصوص القانونية الصالحة للتطبيق والنافذة أمام جميع السلطات في الدولة سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية وتمر الاتفاقيات الدولية المنضمة لها مصر تأسيساً على ذلك بعدة مراحل وإجراءات تبدأ بدراستها بمعرفة الجهات المعنية لتقرير التوقيع والموافقة عليها، ولضمان عدم مخالفتها للنظام القانوني المصري والدستور بصفة خاصة ثم يعقب ذلك التوقيع وإجراءات العرض على مجلس الشعب للموافقة ثم إيداع وثائق التصديق ثم نشر الاتفاقية بالجريدة الرسمية بعد تحديد بدء نفاذها دوليا.إلا أنه بوجه خاص فإن هذه الاتفاقيات الدولية المعنية بمبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية نتيجة لاتصال أحكامها والمبادئ الواردة فيها بنصوص مقابلة لها في الدستور المصري تتمتع بحماية خاصة إضافية هي الحماية المقررة للنصوص الدستورية على نحو ما سلف بيانه من حيث توفير الحصانة لها من أية قوانين قد تصدر بالمخالفة لأحكامها الموضوعية المتصلة بالحقوق أو الحريات المحمية بمقتضاها، فيعد بالتالي صدور أي قانون لاحق لها به مخالفة لأحكامها الموضوعية محل الحماية أو معدلاً لها، مخالفة دستورية بحسبان أن هذا القانون سيوصم بعيب عدم الدستورية باعتباره سيكون بمخالفته لأحكام الاتفاقيات الدولية المتصلة بحقوق الإنسان وحرياته قد خالف الأحكام المتعلقة بهذه المبادئ المقابلة لها والواردة بنصوص الدستور المصري،

ومن ثم فان هذا القانون يكون قابلاً للإلغاء من المحكمة الدستورية العليا بحكم ملزم لجميع السلطات في الدولة إذ يترتب على نشر الحكم وقف العمل بالنص المقضي بعدم دستوريته ويرتد هذا الحكم إلى يوم صدور القانون المقضي بعدم دستوريته بالضوابط التي وضعتها المحكمةالدستورية والمشرع الوطنى .والواقع أن تلك الوضيعة الناشئة عن اتصال أحكام الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان بالنصوص الدستورية في مصر جعل هذه الاتفاقيات عمليا تحتل منطقة وسطية بين الدستور والقانون وقد أحدث ذلك الوضع انعكاسات هامة لعل من أهمها ما يلي:

1 ـ وجود مبادئ حقوق الإنسان وحرياته فى الدستور المصرى سهل عملية انضمام مصر لكافة الاتفاقيات الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان استناداً إلى المبادئ المقررة لها فى الدستور وكان ذلك من شأنه تعظيم دور مصر الرائد فى المشاركة بالجهود الدولية الدائر رحاها فى هذا الخصوص والتى صعب على أية دولة تجاهلها أوإغفالها أو التراجع عنها.

2 ـ أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان أصبح لها مكانة خاصة في النظام القانوني المصري فهي وإن كانت تعد قانونا من قوانين البلاد حسبما سبق إلا أنها تعد فى ذات الوقت من المصادر الأساسية للدستور والتي استقى منها المشرع الدستوري معظم نصوصه وهذه المكانة الخاصة تجعلها عملياً تحتل مكانة أعلى من القانون الوطنى بمقتضى الوضع القانوني للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان فى مصر كقوانين مصرية حسبما سلف بيانه فإن مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الواردة في تلك الاتفاقيات باعتبار أن كل منها تستند بوجه عام إلى نصوص دستورية مقابله لها وردت في الدستور فإنها تتمتع في مصر بما يلي:

أولاً: الحماية المقررة للنصوص الدستورية باعتبارها القانون الأعلى، إذ يترتب على ذلك أن يوصم بعدم الدستورية كافة النصوص القانونية النافذة فعلاً والتي قد تكون متعارضة معها أو مخالفة لها أو أية تشريعات أخرى قد تصدر مستقبلاً تتضمن مساساً بها أو تعارضاً أو مخالفة لها، ويستطيع كل ذي مصلحة اللجوء بالأوضاع المقررة إلى المحكمة الدستورية للقضاء بعدم دستورية تلك القوانين بحكم ملزم لكافة السلطات بالدولة.

ثانياً: أن أحكام الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرياته باعتبارها قانون من قوانين البلاد ،

حسبما تقرره المادة (151) من الدستور سالفة الذكر، تتمتع فور إتمام الإجراءات الدستورية بالتصديق عليها ونشرها بالتطبيق والنفاذ المباشر أمام جميع السلطات بالدولة وتلتزم تلك السلطات بجميع أحكامها ويوفر ذلك بشكل مباشر الحق لمن يتضرر من عدم تطبيقها أو مخالفتها سواء كان ذلك يرجع لفعل الأشخاص الطبيعيين أو الهيئات والجهات الحكومية وغيرها اللجوء إلى القضاء وفقاً لطبيعة المخالفة بالأوضاع المقررة للحصول على الحقوق الناشئة عنها.

وقد حفلت ساحة القضاء المصري بالعديد من التطبيقات العملية لنصوص الاتفاقيات الدولية في هذا المجال كما تضمنت أحكام المحاكم على مختلف درجاتها ونوعياتها الإشارة إلى العديد من نصوص الاتفاقيات المذكورة وأقامت قضائها عليها باعتبارها نصوصاً قانونية معمول بها، كما وأن المحكمة الدستورية العليا أشارت في العديد من أحكامها إلى الإعلانات والقرارات والمواثيق الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الإعلان العالمي وذلك في معرض تفسيرها للحقوق محل بحثها وردها لأصلها الذي قامت عليه لتضيف لقضائها العديد من المبادئ الدستورية الهامة في مجال حقوق الإنسان وحرياته .

روضة أحمد سيد

[1] محامية وناشطة حقوقية

بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان



http://old.qadaya.net/node/49
   أبحاث ودراسات قانونية