الجمعة، 31 ديسمبر 2010

الكتابة في زمن العولمة


الكتابة في زمن العولمة
سيف الدين حسن العوض
safeelawad@hotmail.com

الكتابة في زمن العولمة، وما أدراك ما العولمة من الصعوبة بمكان، خاصة إذا كانت الكتابة من طرف واحد وليس هناك مجال للرد عليك، (مثل الحب من طرف واحد)، فانت منذ أن تستيقظ في الصباح الباكر تحاصرك الكتابة العولمة، أي الكتابة التفاعلية والحركية والشفافية، فتبادر الي فتح بريدك الإلكتروني لتقرأ ما خطته أقلام اصدقائك الحقيقيين والخائليين، هذا إن لم يكن لك اكثر من بريد إلكتروني في عدة مواقع إلكترونية، ثم تعرج الي الفيس بوك لتقرأ آخر الدردشات والنكات وتتصفح صور الأمس واليوم وغداً، بالطبع إن كان لك اشتراك في ماي اسبيس فمن الضرورة بمكان أن تعرج اليه كذلك،
ثم تتحرك صوب الماسنجر لتكتب وتتحدث في آن واحد ومن خلال عدة نوافذ إلكترونية عبر الهوت ميل ماسنجر، ولايف ماسنجر، والياهو ماسنجر، واسكاي بي ... الخ، مع من يشاطرونك أفكارك أو تربطك به صلة قربى، ثم تقرأ صحيفتك اليومية السيارة، ومجلتك المفضلة، فتدلج - مضارع أدلج إدلاجاً، ومعناه سار الليل كله - الى صحافة المواطن - أو ما يعرف حاليا بالمنتديات- التي لديك فيها باسويرد، فتبارك لهذا النجاح، وتشاطر ذاك الاحزان، وتكتب وأنت تتجرع كوباً من العصير البارد عن إنتخابات مزورة لم تشارك فيها أصلاً، رغم أن الفرصة قد اتيحت لك، وعن أطفال المايقوما وضرورة التبرع لهم، ثم تتصفح اليوتيوب وتبحث عن فنانك المفضل وشاعرك الفحل ومعشوق الجماهير وآخر الفيدوهات في عالمك الخائلي، ثم تدردش مع ذاك وترسل رسالة الي تلك، وتطلب صداقة آخرين، واخيراً وليس آخرا تذهب وأنت متعب العينين، من اثر التصفح والسهر طبعاً، الى موقع جامعتك الإلكتروني لتأخذ على عجل المادة التي بعث بها استاذك عبر ما يعرف بالتعلم الإلكتروني، وتقيّم على عجل أستاذك وأثناء هذا وذاك تستمع الي اذاعتك المفضلة ولم تعد لإذاعة البي بي سي ومونت كارلو وصوت امريكا ولا إذاعة (هنا أمدرمان) بريقهم السابق، ظهرت إذاعات (الأف أم) حسب التخصصات إو قل الطلبات، فهناك إذاعة للرياضة وأخرى للأخبار وثالثة للثقافة ورابعة للآداب وخامسة للفنون والموسيقى، وترد عبر الموبايل على فلان وترسل رسالة قصيرة لعلان، بل ويمكنك اليوم ومن جهاز اللاب توب الذي تحمله معك الي أي مكان ان تصدر صحيفة ومجلة وكتاب وتنشأ إذاعة وقناة تلفزيونية وسينما إن شئت وتشارك مع الآخرين من الإعلاميين والصحفيين في تثقيف الناس وإخبارهم وتعليمهم والترفيه عنهم. ليست التكنولوجيا شر كلها، بل أن الخير كامن فيها كذلك، هذا إذا استطعنا أن نوظف تلك التقنية لخدمة بلادنا وأهلنا، فلا يكفي مثلاً أن تتصفح فقط إذا كان بمقدورك أن تشارك بافكارك ومعلوماتك الصحيحة عن الدين واللغة والوطن، ولايكفي فقط أن تدردش في الفيس بوك إن كان بالإمكان أن تبتكر مدونة خاصة بك، وتملأها بالمفيد من العلم والمعلومات والمعرفة. كثيراً ما تساءلت، وسأل غيري، هل التكنولوجيا نعمة أم نقمة، ولماذا أتينا الي ماليزيا، هل بحثاً عن التكنولوجيا والتقانة كما ندّعي، أم هروب من واقع أليم مرير في السودان، أقعد به وجعله في ذيل قائمة الدول المتخلفة إلكترونياً، بعد أن كان على رأس الدول الأكثر تعليما وفهما ووعيا ومعرفة، هل للتكنولوجيا دخل في ذلك، أم أنها السياسة التي يدخل معتركها كل من (هب ودب)، في إعتقادي أنهما الأثنين معاً بجانب سبب ثالث، هو عدم مقدرتنا على التعايش السلمي، فرغم أننا تقدمنا كثيراً من ناحية التعايش الديني، ورغم قبولنا بالآخر،(المازول) - اكيد سوف تجادلوني، عارفكم جنكم جدال، وهو في زول بيقدرك يجادل السودانيين اهل الجدال- إلا ان السودان والسودانيين (غلبو حيلة) مع التعايش السلمي الثقافي، فإذا أردنا للسودان أن ينهض من جديد، ومن جديد هذه مقصودة لأننا فعلاً كنا في تقدم ونهضة، وطبعا النهضة (خشم بيوت)، ولكني أعني هنا النهضة بكل أنواعها وفي كافة المجالات. إذا أردنا النهضة للسودان فعلينا أولاً أن نتسلح بالعلم التكنولوجي، وهذه فرصتنا قد لاتتكرر مرة أخرى، علينا أن ننهل من علوم التكنولوجيا ما شاء الله لنا أن ننهل، وأن نسعي ما استطعنا الي ذلك سبيلا على نقل التكنولوجيا الي السودان، بل وتوطينها في السودان، وأن نترك السياسة وساس ويسوس لقلة من السياسيين منا، فماليزيا بجانب التكنولوجيا والتعلم الإلكتروني، تزخر بمعارف شتى حري بنا ونحن ننظر بعين متفائلة لسودان الغد المأمول، (وخيركم خير لأهله) أن نتزود بتلك المعارف والتي من أبرزها السياسة والتي لايدخل معتركها إلا ثلة من الماليزيين بإعتبار أنها (فرض كفاية) إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، بجانب السياحة والإقتصاد والتعايش السلمي، والتعايش السلمي بالذات دعوني أضع تحته خطوط كثيرة بإعتبار أننا رغم تعليمنا أو تعلمنا المتقدم كما ندّعي، الا أننا فينا (شئ من جاهلية)، فلندعها لانها (نتنه)، واللبيب بالإشارة يفهم، أخيراً وليس آخر دعوني أوصيكم ونفسي بتقوى الله أولاً ثم بحب الوطن ثانيا، لأن حب الأوطان من الإيمان كما أخبر رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ثم بالتوحد والتكاتف والتآزر ثالثاً وليساعد كل منا اخيه او أخته، إن لم يكن ماديا فبالنصحية والقول الحسن والمعلومة المفيدة، وانت تقرأ هذه الشطحات تذكر قول الشاعر :
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا ****** وإذا افترقنا تكسرت آحادا




نشر بصحيفة رابطة الطلاب السودانيين بالجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا . يونيو 2010م

الأحد، 26 ديسمبر 2010

محو الأمية الإعلامية











سيف الدين حسن العوض - ماليزيا


على الرغم من التوسع التعليمي الحادث في العالم ابتداءً من تعليم الصغار إلى تعليم الكبار، إلا أن الإعلام قد اتسعت آثاره وتعمقت في قطاعات عريضة بما يملكه من وسائل اتصال جماهيرية تقليدية (تلفزيون، إذاعة وصحف ومجلات) ووسائل إعلام جديدة (التلفزيون النقال، والتلفزيون عبر الإنترنت، وأقمار اصطناعية..الخ) حتى أصبح عصرنا الحالي يعرف بعصر الإعلام أو عصر الانفوميديا (وذلك إشارة لدمج وسائل الإعلام مع وسائل المعلومات) لا لأن الإعلام ظاهرة جديدة في تاريخ البشر، بل لأن التقنية الحديثة في مجال الإعلام والاتصال قد بلغت غايات بعيدة جدًا في سعة الأفق وعمق الأثر وقوة التوجيه، وكلما كانت الأداة الإعلامية أكثر قوة وانتشارًا كانت المسؤولية المترتبة على حملها أخطر.


والتربية بحاجة مستمرة إلى عمليات الإعداد والتدريب والارتقاء الدائم والمتواصل بمستوى الأداء الذي يجب أن تكون عليه، كذلك مستوى التربويين والإعلاميين على السواء. والإعلام والتربية - كما شبههما خبراء التربية - جناحا طائر، لا تحلق أمة من الأمم في عوالم المعرفة إلا بهما معًا، والمسؤولون في كل من القطاعين مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن ينسقوا عملهم ليكمل بعضه بعضًا، ويفيد بعضه بعضًا، ويكون مثلهم في ذلك مثل الجسد الواحد الذي يتداعى كله لألم بعضه.
قد استطاعت التربية (ممثلة في المدرسة إلى حد ما) أن تؤقلم نفسها مع منازعة المنزل لدورها، فتارة تتفوق التربية وينقص دور المنزل وتارة العكس. لكن التربويين كانوا على دأب في محاولاتهم لتضييق الفجوة، إلى أن برز الإعلام منافسًا للمدرسة في السيطرة لا على الطفل أو الشاب ولكن لينافس الوالدين أيضًا في عملية القيام بنقل التجارب والعادات والعبادات والمهارات إلى النشء، ولم ينتبه التربويون إلى هذا القادم الجديد ويتأكدوا من أبعاده إلا وطغى عليهم بوسائله المتقدمة ومحتوياته الجذابة.
لقد برز الإعلام مسليًا مربيًا معلمًا شاغلًا مشغلًا يظهر كل يوم بوجه وفي كل فترة بأسلوب وتقنية جديدة مما جعل التربية بوسائلها المحافظة وتطورها التدريجي الحذر تفقد سيطرتها على أرضيتها. لقد أعلنها الإعلام صراحة أنه يقوم بدور تربوي، وأن على التربية أن تقبل بهذا الدور وترعاه حتى لا يفوتها قطاره السريع جارفًا معه الأجيال الى حيث لا تريد.
تسعى دول العالم قاطبة الى التنمية الشاملة تحقيقًا لطموحاتها وآمال شعوبها في بناء مستقبل أكثر إشراقًا، وتهتم بعنصري التربية والإعلام لبناء ذلك المستقبل، وبين التربية والإعلام أرضية مشتركة، ووشائج قوية لدرجة يمكن معها القول: إن العملية الإعلامية في بعض جوانبها عملية تربوية، وإن العملية التربوية في بعض جوانبها عملية إعلامية.
ولتقارب هذه الصلة بين التربية والإعلام، فإن تنافسًا حادًا قد نشأ بينهما في سبيل أداء هذه الرسالة أدى إلى تبادل الاتهامات، حتى أوشكت العلاقة بينهما على الانفصام التام. وعلى الرغم من التوتر الحادث بين التربويين والإعلاميين، فإن أيًّا منهم لم يستطع حسم هذا التوتر بالقطيعة، فالتربية لازالت وستبقى الرافد الأساسي للإعلام، والإعلام بما يملكه من وسائل طباعية وسمعية وبصرية وإلكترونية حديثة أصبح من أدوات العملية التربوية التعليمية ووسائطها في توصيل مادتها.
فالتربية بمعناها المقصود هي تلك العملية القصدية التي يتم عن طريقها توجيه الأفراد للنمو، وبمعناها الواسع: الحياة بكل ما تشتمل عليه من خبرات وعلاقات. والإعلام في أساسه عمليه تزويد الأفراد بالأخبار والمعلومات والحقائق لتكوين رأي عام صائب تجاه مشكلة من المشكلات التي تواجه المجتمع.
وهذه الورقة تناقش فاعلية تدريب المعلمين للتعامل الواعي مع وسائل الإعلام، من خلال ما يسمى بمحو الأمية الإعلامية، أو ما يمكن أن نسميه التربية الإعلامية أو الوعي الإعلامي. وبما أن هذا الموضوع يشمل مجالات عديدة ومتشعبة يصعب حصرها وتناولها في هذه العجالة فسأتحدث عنه في عدة محاور رئيسة.
مفهوم محو الأمية الإعلامية
مفهوم محو الأمية الإعلامية، أو التربية الإعلامية ليس بجديد، فقد ظهر في أواخر الستينيات، إلا أن فهم هذا المصطلح تطور بدرجة كبيرة حيث ركز الخبراء على إمكانات استخدام أدوات الاتصال لتحقيق منافع ملموسة، كوسيلة تعليمية. وبحلول السبعينيات بدأ يُنظر إلى التربية الإعلامية على أنها تعليم بشأن الإعلام، وبشأن تكنولوجيا وسائل الإعلام الحديثة، وبشأن التعبير عن الذات بوصفه جانبًا من المعرفة الإنسانية الأساسية. وكثيرًا ما كان يُنظر إلى التربية الإعلامية على أنها مشروع دفاع يتمثل هدفه في حماية الأطفال والشباب من المخاطر التي استحدثتها وسائل الإعلام، وانصب التركيز على كشف الرسائل المزيفة والقيم «غير الملائمة» وتشجيع الطلاب على رفضها وتجاوزها. غير أن التربية الإعلامية أخذت تتجه صوب اتباع نهج ذي طابع تمكيني أوضح (مهارات التعامل)، حيث يهدف إلى إعداد الشباب لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعاله. كما أن التربية الإعلامية هي التعليم والتعلم بشأن الإعلام، فالأطفال والشباب هم المستهلك الرئيس للخدمات الإعلامية، وبالإضافة إلى ما يختارونه بأنفسهم من مواد إعلامية يشغلون بها أوقات فراغهم، يستمد الأطفال جانبًا هامًا من تعلمهم من وسائل الإعلام، فقد أصبح الإعلام جزءًا من خلفيتنا الثقافية التي تحيط بالصغار والكبار على حد سواء، ولذا يستحق أن يدرس كمجال قائم بذاته. وهنا يجب التفريق وعدم الخلط بين التربية الإعلامية وبين استخدام وسائل الإعلام «كوسائل تعليمية».
ويرى العلماء أن محو الأمية الإعلامية هي في الواقع نتيجة تقارب ثلاثة أنواع ضخمة من المعارف: الدراسات الإعلامية (الصناعات، والمحتوى، والآثار)، والفكر الإنساني (كيف يستعرض الجمهور الرسائل ويبني أو يشكل المعاني)، واالتربية (كيف نساعد الناس على الوصول إلى المعلومات، تطوير المهارات، ويصبحوا واعين ومتعلمين). محو الأمية الإعلامية ليست مجرد تقاطع هذه الأبعاد الثلاثة وإنما هي عملية تضم هذه الأبعاد الثلاثة بأسرها.
هناك نقطة جوهرية يجب عدم إغفالها أو التغافل عنها، فشباب المسلمين اليوم مستهدفون أكثر من أي وقت مضى في وعيهم وثقافتهم وهويتهم الدينية، فهم المجال الحيوي الذي تعمل عليه كثير من المؤسسات الإعلامية العالمية من أجل غسل أدمغتهم، أو إقناعهم بفكرة أو مشروع معيّن، أو إلهائهم عن قضاياهم الكبرى، وما لم يكونوا مسلحين بالوعي الإعلامي من خلال محو الأمية الإعلامية فإنّ التيار جارف يكتسح كل معصوب العينين. وعلى هذا، يتعيّن أن يحصل الشباب على موارد الوعي ومصادره في دوائره المتعددة التي من أبرزها المدارس والجامعات، وإلاّ كانوا ضحايا لأكثر من (مفترس)، وقد لا يكون مفترسًا في الظاهر لكنّه يعمل من وراء ستار لافتراسهم.. ولا نجاة إلاّ بمزيد من الوعي.
أولاً: أنواع الوعي:
تتعدد أنواع الوعي في حياتنا اليوم، فهناك الوعي الديني وهو من الأهمية بمكان بحيث مالايستقيم أمر المؤمن إلا به، فهو هو فرض عين وما دونه فرض كفاية، وهناك الوعي السياسي، وهناك الوعي الاقتصادي وتتفرع من كل هذه الأنواع أنواع أخرى من الوعي المهمة يضيق المجال هنا عن ذكرها جميعها. ولكن ما يهمنها هنا هو الوعي الإعلامي لانه هو الناقل لأغلب أو لكل هذه الأنواع من الوعي.
وفي الوعي الإعلامي نحتاج إلى معرفة:
- الجهة الإعلامية المسوّقة (المُرسِل).
- المضمون الإعلامي (الرسالة).
- الجهة التي تبث إليهم تلك الرسالة (المُستقبل).
فمعرفة هذه الأمور الثلاثة ضرورية حتى لا نقع في التضليل الإعلامي، لأنّ المتلاعبين بالعقول والعواطف في أجهزة الإعلام ووسائله المختلفة من الكثرة، بحيث يندر الصفاء الإعلامي.
والمراد بالجهة الإعلامية المسوّقة، تلك التي تقف وراء إعلام ما، تخطط له وترسم له طرق الوصول إلى المتلقّي سواء كان مشاهدًا أو مستمعًا أو قارئًا، وتضع له أهدافه الثابتة والمتغيرة، وقد تكون جهة رسمية أو أهلية، لكن معرفة ذلك وإدراكه جيِّدًا يحدد درجة الثقة بهذه الوسيلة الإعلامية أو تلك.
والمراد بالرسالة الإعلامية، مضمون المواد والبرامج والفعاليات التي يقدمها الإعلام، وبإمكانك أن تقرأ هوية الذين يقفون خلف هذه الرسالة من خلال الرسالة نفسها. فبالمتابعة الدقيقة والمستمرة سيتضح لك بأنّ طبيعة المادة الإعلامية المرسلة كاشفة إلى حد بعيد عن هويّة المُرسل، وقد لا تعرفهم بالوجوه والأسماء، لكنّك تعرفهم بالتوجهات.
وأمّا المراد بالمُستَقْبِل، فهو أنت وأنا وسائر المستمعين والمشاهدين والقرّاء من مختلف الشرائح، أي إنّنا المُستهدفون من الرسائل الإعلامية التي تدرس طباعنا وأمزجتنا وأذواقنا وغرائزنا وردود أفعالنا لتخاطبنا من خلالها.
وما لم نعِ ما يراد بنا من خلال وسائل الإعلام فإنّنا واقعون في فخ التضليل الإعلامي والإثارة الإعلامية بل والتسمم الإعلامي.
غير أنّ هذا لا يعني أن مواد الإعلام مسمومة كلّها، فالوعي الإعلامي، كما يفرز السلبي الرديء، يفرز الإيجابي النافع، وبذلك تتوازن النظرة إلى الإعلام.
العديد من الاستراتيجيات اتخذت من جانب البلدان التي ينخفض فيها إنتاج الأفلام أو البرامج التلفزيونية (ومؤخرًا مواقع الإنترنت)، والبلدان الإسلامية واحدة من هذه الدول، لحماية المنتجات الثقافية الخاصة بها وأيضًا الهوية الثقافية، تلك الاستراتيجيات التي أشار إليها أوجان ل. كريستين تشمل ما يلي:الحصص، الإعانات والمنح، التحالفات الإقليمية، تكييف البرامج، تدابير المقاومة.
ويعتقد الباحث أنه يمكن إضافة محو الأمية الإعلامية كواحدة من هذه الاستراتيجيات التي يتعين أن تتخذها البلدان الإسلامية لحماية الإنتاج الثقافي الخاص بها وزيادة وعي جماهيرها.
ثانيًا: أساليب محو الأمية الإعلامية:
يمكن محو الأمية الإعلامية من خلال نهجين:
- النهج النظامي: فالتربية الإعلامية النظامية هي التعليم الذي يُوفر داخل المدرسة. كما يركز النهج النظامي على تدريب المعلمين على تدريس التربية الإعلامية لطلابهم داخل الفصول الدراسية، ويتميز هذا النهج بسهولة دمجه في البرامج الحالية لإعداد المعلمين، وكذلك يتميز بأنه أيسر تصميمًا ورصدًا وتطويرًا وتحديثًا.
- النهج غير النظامي: وهو أوسع نطاقًا حيث يشمل مجموعة واسعة من النشاطات التي تنفذ خارج إطار المناهج المدرسية ولفئات عديدة من المجتمع.
ثالثًا: أهمية التربية الإعلامية:
- تؤكد التربية الإعلامية على التفكير النقدي االتأملي، إذ إننا نعيش في بيئة مشبعة بالمواد الإعلامية، وينبغي لنا أن نعي أن وسائل الإعلام لا تقدم مجرد عرض بسيط للواقع الخارجي، بل هي تعرض تراكيب مصاغه بعناية تعبر عن طائفة من القرارات والمصالح المختلفة، والوعي الإعلامي يساعدنا على تفكيك عملية تصنيع المواد الإعلامية، وعلى فهم المنتجات الإعلامية، ومن ثم فهم كيفية استخدامها.
- العناية بالوعي الإعلامي كجزء من تكوين المواطن المستنير، إذ يؤكد الخبراء أن الشاب وخاصة الذي لم يصب حظًا كافيًا من التعليم إذا كان واعيًا ببيئته وملمًا بأحداث الساعة من خلال اطلاعه على الوسائل الإعلامية، وقادرًا على استخدام أدوات الاتصال في التعبير عن ذاته، سيصبح مواطنًا أفضل تكوينًا وأكثر التزامًا.



- محو الأمية الإعلامية تشجع على المشاركة الفعالة في المجتمع، فهي تمكن الناس من تفسير المواد الإعلامية ومن تكوين آراء واعية عنها بوصفهم مستهلكين لها، وأن يصبحوا منتجين للمضامين الإعلامية، فهي الغاية التي تتوخاها عملية محو الأمية الإعلامية.
- الوعي يفيدنا في الربط بين الأشياء. فما قد يبدو في الظاهر منفصلًا عن بعضه، هو ذو علاقة بنحو أو بآخر بغيره من الأشياء، كما هي علاقة الإعلام بالسياسة وعلاقتهما بالثقافة وعلاقة الجميع بالتربية.
- الوعي ذو أثر أكبر من دائرة الشخص الواعي نفسه، فهو بوعيه يمكن أن ينير الدرب للآخرين الذين تنطلي عليهم الألاعيب والخدع والشعارات والتصريحات والإعلانات والدعايات، أي أ نّه يفتح عيونهم للإبصار أكثر.
- الوعي يفتح الأبواب المقفلة بالكثير من الاستيضاحات والأسئلة: مَنْ؟ ولماذا؟ ومتى؟ وأين؟ وكيف؟ أي أن كلّ شيء بالنسبة للواعي مادّة للدرس، يأخذ منها درسًا وعبرة ويحلّلها، ويقرؤها بعيون ثانية، فيزداد معرفة بالأشياء.
رابعًا: لماذا محو الأمية الإعلامية؟
يعج الفضاء بعامة بعدد كبير من القنوات الفضائية والإذاعية التي تتزايد يومًا بعد يوم، كما أن هناك تناميًا في الإعلام المكتوب سواء التقليدي أو الإلكتروني، مع تزايد استخدام الإنترنت. كما اتسعت دائرة الوسائل الإعلامية في هذا العصر لتشمل: القنوات التلفزيونية الفضائية، المحطات الإذاعية، الصحف والمجلات، مواقع الإنترنت، المنتديات الإلكترونية، المدونات الإلكترونية، والإعلام المتنقل (عبر الهاتف الجوال).
ويتعرض الناس إلى قدر كبير جدًا من الرسائل الإعلامية من خلال هذه الوسائل المتعددة والمتنوعة، والتي في غالبها تكون غير منضبطة بقيود اجتماعية أو قيمية، بل يسيرها الربح المادي أو التوجيه الآيديولوجي، ويتم فيها خلط الخبر بالرأي بالإعلان، بحيث تمرر رسائل وتحقق أهداف من خلال هذا الخلط. بل إن بعضها يوفر نوعًا من «التعمية» على المشارك مما يسهل بث المحتوى غير المسؤول.
تتميز وسائل الإعلام بقدرة تأثيرية وتوجيهية عالية نسبة للتنوع الكبير في البرامج، حيث توجد الوسائل المقروءة بأنواعها والمسموعة والمرئية عبر توظيف الجوانب النفسية في جذب الانتباه والتأثير والإقناع، بجانب التفاعلية وإمكانية التواصل من جانبين حيث يمكن للمتلقي التفاعل مع كثير من تلك الوسائل، فضلاً عن أن كثيرًا من وسائل الإعلام تعمل على مدار الساعة وتنقل الأحداث بشكل مباشر. بجانب سهولة التواصل حيث إن كثيرًا من وسائل الإعلام يمكن الوصول إليها ومتابعتها من البيت ومن أي مكان، كما يمكن للمتلقي التعامل مع تلك الوسائل بخصوصية تامة مع التحرر من القيود والأعراف الثقافية والاجتماعية، حيث لم تترك هذه الوسائل الإعلامية مجالاً لم تدخل فيه، فجميع المجالات بلا استثناء عقدية وشرعية وقيمية واجتماعية صارت ميدانًا لهذه الوسائل.
هذه الميزات جعلت أثر الإعلام يفوق الأثر الذي توجده المدرسة، بل في بعض الأحيان يضاده أو ينقضه، وهذا ما يصعب من مهمة المدرسة. أضف إلى ذلك ما يلاحظ من كون الشباب وربما الكبار أيضًا، مستهلكين سلبيين يندر أن يتحققوا من المحتوى الإعلامي الذي يحيط بهم.
وما يزيد الأمور خطورة أن القائمين على كثير من أجهزة الإعلام يضعون اسسًا لتداول الصور والمعلومات التي تؤثر على معتقدات وسلوك المشاهد واتجاهاته، بما يجعلهم يتحولون إلى سائسي عقول، كتب هيربرت شيللر، 1986، «إن ما يشاهده الناس أو ما يستمعون إليه وما يرتدونه وما يأكلونه والأماكن التي يذهبون إليها وما يتصورون أنهم يفعلونه كل ذلك أصبح وظائف يمارسها جهاز إعلامي يقرر الأذواق والقيم التي تتفق مع معاييره الخاصة»
خامسًا: دور المناهج الدراسية:
في ظل هذا التوسع المتزايد لدور وسائل الإعلام في التأثير على المجتمع بشكل عام والاساتذة والطلاب بشكل خاص أصبح من الملح أن تقوم المدرسة بدور فاعل من خلال المنهج الدراسي لتزويد المعلمين أولًا ثم الطلاب بالمهارات اللازمة للتعامل مع وسائل الإعلام. فمن غير الممكن في عصر التفجر المعلوماتي أن تحدد المدرسة للطلاب ما هو مقبول وما هو غير مقبول فيما يتلقونه من رسائل إعلامية متواصلة، فصار السبيل الوحيد المقدور عليه هو تزويد الطلاب بالمهارات التي تمكنهم من تفحص تلك الرسائل الإعلامية وإكسابهم استراتيجيات تحليل المحتوى المعلوماتي الموجود فيها بما يساعدهم على اتخاذ قرارات مستنيرة وواعية حيالها.
عناصر محو الأمية الإعلامية:
من أهم الاستراتيجيات التي تسلكها المناهج المدرسية في تهيئة الطلاب للتعامل الواعي مع وسائل الإعلام تنمية مهارات التفكير الناقد لدى الطلاب وإيجاد وعي إعلامي، بحيث يستطيع الطالب أن يكون متلقيًا إيجابيًا للرسائل الإعلامية يحللها ويقومها، بل يشارك في صياغتها بشكل تفاعلي.
وقد استحدثت بعض الأنظمة التربوية خاصة الغربية ما يسمى بمحو الأمية الإعلامية لجعل الطلاب قادرين على التصدي الواعي لهذا الطوفان الإعلامي الذي يحاصرهم في كل مكان.
أولاً: تعريف محو الأمية الإعلامية:
يعرف ماك دورمت 2007م التربية الإعلامية بأنها تكوين القدرة على قراءة الاتصال وتحليله وتقويمه وإنتاجه. فالوعي الإعلامي لا يقتصر على جانب التلقي والنقد فقط بل يجب أن يتعدى ذلك إلى المشاركة الواعية والهادفة لإنتاج المحتوى الإعلامي.
ويشير هوبس 1998م إلى أن التربية الإعلامية تشمل القدرة على الوصول إلى المعلومات والقدرة على تحليل الرسائل وتقويمها وإيصالها.
كما يؤكد ماك برين، 1999م أنه بتعليم الطلاب كيفية تقويم الصور الإعلامية التي تحيط بهم فإننا نزودهم بالوسائل لاتخاذ خيارات مسؤولة عما يسمعونه ويرونه.
ويشير سلفربلات 2001م إلى أن التربية الإعلامية تشتمل على التفكير الناقد الذي يمكن المتلقي من بناء أحكام مستقلة عن المحتوى الإعلامي.
ويعرف د.محيي الدين عبدالحليم التربية الإعلامية بانها هي المبادئ والأحكام التى يكتسبها الفرد من وسائل الإعلام وذلك لتحصين الجماهير في مواجهة الانفلات الإعلامي، وتعريفهم بالأسلوب الصحيح للتعامل مع هذه الوسائل
فالتربية الإعلامية تشجع الطلاب على التوقف عند ورود الرسائل الإعلامية لتحليلها وتحديد هدفها ولمن هي موجهة؟ ولماذا صيغت في إطار معين؟ وما هي الحقائق الموجودة فيها أو المفقودة منها؟ وما هي المصادر المحايدة التي يمكن التحقق منها. ونحو ذلك.
وتشير كثير من الدراسات إلى ظهور آثار إيجابية لهذه البرامج على الطلاب، حيث أوجدت لديهم وعيًا بالمضامين الإعلامية وكونت لديهم قدرة على تحليل الخطاب الإعلامي ولو بشكل مبسط.
ثانيًا: عناصر محو الأمية الإعلامية
يضع عالم الاتصال سلفر بلات أشمل تعريف لمحو الأمية الإعلامية إذ يكتب «محو الأمية الإعلامية تشجع مهارات التفكير النقدي التي تمكن الناس من الخروج بأحكام مستقلة وقرارات واعية في استجابتهم إلى المعلومات التي تنقل عبر قنوات الاتصال الجماهيري»، ولقد حدد عناصر محو الأمية الإعلامية في خمسة عناصر أساسية هي:
- إدراك تأثير وسائل الإعلام على الفرد والمجتمع.
- فهم عملية الاتصال الجماهيري.
- تطوير استراتيجيات عن طريقها يتم تحليل ومناقشة الرسائل الإعلامية.
- الوعي بمحتوى وسائط الإعلام بوصفها «نصًا» يمكن أن يفيد في إلقاء نظرة متعمقة في ثقافاتنا المعاصرة وفي أنفسنا.
- حصاد تعزيز التمتع، الفهم، والتقدير للمحتوى الإعلامي.
التدريب على محو الأمية الإعلامية:
الآن وسائل الإعلام الجماهيري تعلّم ومع هذا فما زال المعلمون في الفصول وغيرهم من المشاركين في العمل بالمدارس يطلقون على أنفسهم «نظام التعليم» وهي تسمية خاطئة بلا شك. الطلاب فقط يتعلمون في المدارس، ولكن الناس جميعًا بمن فيهم الطلاب يتعلمون خارج المدارس عن طريق مناهج مجتمعية، مناهج شاملة مستمرة وغير رسمية منبثقة عن الأسرة والأصدقاء والجيران ودور العبادة والتنظيمات والمؤسسات ووسائل الإعلام وغيرها من قوى التوافق الاجتماعي التي نتعلم منها جميعًا طوال سني حياتنا، وقد اصبح الدور الفعال الذي تلعبه هذه القوى التعليمية غير الرسمية خطيرًا بصفة خاصة في أمور التعلم والحياة في البيئات الحضرية التي تتنامى تعقيداتها يومًا بعد يوم.
أولاً: التعليم والتعلم من خلال وسائل الإعلام:
إن المدى الزمني للتعليم والتعلم خارج المدرسة يتجاوز بكثير فترة المدرسة. فصغار السن يبدؤون التعلم من خلال المنهاج المجتمعي قبل دخول المدارس ويستمرون في التعلم من المجتمع طوال مدة ذهابهم إلى المدرسة, إن اليوم الدراسي ينتهي للغالبية الكبرى منا مع انتهاء الدرس, لكن التعلم المجتمعي يستمر ما دمنا لم نزل على قيد الحياة. والعنصر المركزي في عملية التعليم والتعلم المجتمعية على مدى حياتنا هو المنهاج الإعلامي أو التفجير المستديم للمعلومات والأفكار النابعة من وسائل الإعلام الجماهيري. ولكي نهيئ الشباب لمعالجة وتقييم المعلومات والأفكار، ولكي تبنى المعرفة الموجهة لتقييم تلك المعلومات والأفكار بصورة انتقادية، ولكي توجد الحكمة القائمة على استخدام هذه المعرفة، يجب على المدارس أن تساعد الطلاب على أن يتعلموا تحليل مضمون وفحوى الرسائل الإعلامية. وبالنسبة للطلاب في البيئة الحضرية، ينبغي أن تتضمن هذه العملية التعليمية مساعدتهم على إدراك الطريقة التي يتعامل بها الإعلام مع القضايا المحلية والموضوعات الحضرية.
لسوء الحظ فإن كثيرًا من معلمي المدارس تمثل رد فعلهم على المنهج الإعلامي في تجاهله باستثناء شكواهم من المضمون الإعلامي أو مقدار الوقت الذي يقضيه الطلاب مع وسائل الإعلام وخصوصًا التلفزيون. مثلما جاء في التحذير الذي وجهته «ويلي لونجستريت (1989م) من جامعة نيوأورليانز في مقالها بعنوان «التعليم للمواطنة: أبعاد جديدة» حيث كتبت تقول: «قضينا سنوات نعلم القراءة والقراءة التصحيحية بينما لم نكد نلتفت برهة لوسائل الإعلام الأحدث والأثرى. شبابنا واقعون تمامًا تحت رحمة التلفزيون، تحاصرهم كميات هائلة من المعلومات تقدمها كل شاشة، وتزيد كثيرًا عما يمكن أن يتوافر على صفحات الكتب، ولكننا لانقدم لهم أي مساعدة لفرز وتحليل هذا السيل من المعطيات أو للدفاع عن أنفسهم تجاه ما يبثه من مثيرات، وهذا السيل الإعلامي يأتي من مصادر أخرى إلى جانب التلفزيون، وينبع من جميع وسائل الإعلام: التلفزيون والصور المتحركة والإذاعة والتسجيلات الموسيقية والصحف والمجلات، إضافة لذلك فإن هذا السيل يحتوي على أكثر المعطيات، حيث إن وسائل الإعلام تبث رسائل وصورًا خيالية من خلال برامج وأفلام ومطبوعات يفترض أنها أنتجت فقط لتقديم التسلية(كسب المال)، وكذا من خلال وسائط مماثلة يقصد منها تقديم المعلومات والتحليل. بعض العاملين في ما يسمى «الإعلام الترفيهي» يزعمون أنهم يقدمون ما يدعو للانحراف ظاهريًا، ولكنهم في الواقع يعلّمون في نفس الوقت سواء عن قصد أو مصادفة. إذا عكسنا المعادلة سنقول بأنه مهما كانت الأهداف المعلنة أو غير المعلنة لوسائل الإعلام، فإن الناس يتعلمون من مصادر الإعلام الخيالية أو الواقعية رغم أنهم قد لا يدركون أن عملية التعلم هذه تحدث في الحقيقة.
ماذا يستطيع المعلمون إزاء ذلك ؟ يمكنهم مساعدة الطلاب في إيجاد وتطوير التعلم من خلال وسائل الإعلام، والقدرة على فحص وفهم وتقييم الرسالة الإعلامية.
وحتى نتمكن من مساعدة الطلاب ليصبحوا مستهلكين إعلاميين أفضل تلقيًا للمعلومات وأكثر مقدرة على التحليل، فإننا نحتاج الى التوجه لوسائل الإعلام الجماهيري ضمن نظام المدرسة باعتبارها عنصرًا رئيسيًا في عملية التعليم والتعلم.
ثانيًا: إيجاد وتطوير التعليم من خلال الإعلام:
بالنسبة لكثير من المعلمين، قد يكون تطوير مثل هذه المهارات التربوية القائمة على الإعلام بمثابة تحد شخصي نظرًا لأن الغالبية منهم لم يحصلوا من قبل على تدريب أو استراتيجية الفصول الدراسية في مجال التعليم من خلال الإعلام. يستطيع المعلمون والطلاب أن يبدؤوا عن طريق زيادة وعيهم الإعلامي من خلال عدة أساليب مثل إمساك سجل يومي للمنهاج الإعلامي، حيث يمكن للمعلمين في المدارس الحضرية توثيق ما يلاحظونه من أن وسائل الإعلام بما فيها وسائل الإعلام المحلي تقوم بالتعليم عن قصد أو بغير قصد سواء باستخدام طرق خيالية أو واقعية. وتعطي أهمية خاصة للموضوعات ذات الصلة المباشرة بالبيئة الحضرية مثل العرقية والجنس والدين والعلاقة بين الجماعات المختلفة والتغيرات الديموغرافية والعمليات الحكومية والبيئة. إن ذلك سيساعد المعلمين والطلاب على زيادة وعيهم فيما يتصل بمدى ومضمون وانتشار المنهاج الإعلامي بما في ذلك التعليم الذي يقدمه عن المدن التي ينتمون إليها إضافة إلى تنمية النزعة إلى التفكير التحليلي عن وسائل الإعلام. وبهذه التوعية العامة، يأتي تطوير وتنفيذ استراتيجيات تربوية على أساس الإعلام.
ويمكن الدخول في هذا الموضوع من خلال تحديد الطرق المختلفة التي يتم بها التعليم الإعلامي، وعلى أساس أكثر من عشرين عامًا قضاها كارلوس كورتيز في البحث والتعليم الإعلامي وكذا جهوده لدمج وتوسيع وتقوية التحليل الإعلامي كعنصر للتعليم في المدارس الثانوية والمعاهد العليا فقد استنتج أن الإعلام سواء الخيالي أو غير الخيالي يعلم بخمس طرق أساسية على الأقل هي:
- تقديم المعلومات.
- يساعد على تنظيم المعلومات والأفكار.
- يساعد على خلق وتقوية وتعديل القيم والمواقف.
- يساعد على تشكيل التوقعات.
- تقديم نماذج للعمل.
أقل فاعلية ومناقشته؟
ما الأساليب الإعلامية التي جعلتها تبدو كذلك؟
وعن طريق إشراك المعلمين والطلاب باستمرار في تحليل الرسالة الإعلامية، تستطيع المدارس أن تقوم بدور رئيس في إعداد الشباب لمستقبل يصبح فيه الاستخدام التحليلي للمعلومات أمرًا حيويًا. وعن طريق إشراك المعلمين والطلاب في تحليل أنظمة الرسالة الإعلامية حول وطنهم بصورة عامة وحول مدينتهم بصورة خاصة، يمكن للمدارس أن تعد الطلاب لحياة فاعلة وحساسة في مجتمعاتهم، ويشمل ذلك مساعدتهم عبر تنمية الفكر النقدي بما فيه التعليم عن طريق وسائل الإعلام من أجل زيادة مقدرتهم على التعامل بكل كفاءة وفعالية كمستهلكين واعين لهذا المعلّم الذي يلازمهم طوال حياتهم، ألا وهو وسائل الإعلام.
إن التحليل الإعلامي في المدارس يمكن أن يساعد المعلمين والطلاب على السواء على اتخاذ خطوة مهمة باتجاه إيجاد وتطوير مثل هذا التعليم من خلال وسائل الإعلام. وفي هذا العالم الذي يجدون أنفسهم فيه محاطين بوسائل الإعلام، يتلقون من كل جانب المعلومات والأفكار والرسائل في شكل إعلامي وترفيهي، فإن مقدرتهم على التعامل مع وسائل الإعلام بكفاءة ووعي وفاعلية تعتبر ضرورية لتنمية إمكانيات أكبر للسيطرة على مصائرهم. وإحدى الوسائل المؤدية إلى الحكمة اللازمة في عصر المعلومات هي ضرورة أن يتدرب المعلمون ويتعلم الطلاب كيف يستغلون، وليس أن تستغلهم وسائل الإعلام.
ونظرًا لأهمية التربية الإعلامية فإنه يلزم بذل الجهد من قبل المفكرين والباحثين الإعلاميين والتربويين لوضع تصور علمي للمعلومات والمعارف التي ينبغي أن يلم بها الإنسان المسلم وهو يعيش الآن في القرن الحادي والعشرين، وكذلك القيم والاتجاهات التي ينبغي أن يتحلى بها والاتجاهات التي ينبغي أن تتوافر لديه والمهارات التي ينبغي أن يكتسبها.
ومن المهام التي ينبغي إنجازها بإلحاح تصميم برامج تدريبية للمعلمين في مجال التربية الخاصة بوسائل الإعلام، فالمطلوب، هو أن يعرف المعلم كيف يكسب التلاميذ القدرة على استثمار المعلومات التي تصلهم عبر وسائل الإعلام بالإضافة إلى الاهتمام بالبرامج التدريبية الموجهة للمعلمين بحيث يكونون أكثر قدرة على تعليم الصبية والشباب فن السيطرة على أنفسهم.
و يقتضي الأمر اليوم تصميم برامج تربوية لجميع المراحل التعليمية ترتكز على تدريب الطالب على كيفية التعرف على وسائل الإعلام ومده بمعارف تتعلق بآليات البث وبرمجة صور العالم التي تصله عبر الشاشة الصغيرة، وتعليمه كيف ينتقي وكيف ينقد، بالإضافة إلى جعله أكثر انفتاحًا وفضولاً على المعلومات الحديثة مما يؤدي إلى فهم أوسع للمحيط الذي ينتمي إليه، كما أنه يتعين على وسائل الإعلام أن تشارك هي نفسها في تربية المشاهد والمستمع والقارئ عن طريق برامج خاصة.
إن محو الأمية الإعلامية والتربية الإعلامية قد تكون وسيلة ناجعة وحلاً مناسبًا لمواجهة الفيض المتدفق من الغزو الإعلامي والثقافي الأجنبي المتواصل لعقول أبنائنا وطلابنا، والتربية الإعلامية ينبغي أن توجه في الأساس إلى الذين مازالوا على مقاعد الدرس بداية من مرحلة ما قبل الدراسة وحتى الدراسة الجامعية، وينبغي أن تتناسب مع المرحلة التي يمر بها الطالب. كذلك ينبغي إكساب المعلمين وأولياء أمور التلاميذ بعض المعلومات عن البرامج الإعلامية والقنوات الفضائية والإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام، وذلك حتى يتمكنوا من توجيه أبنائهم ومتابعتهم، ويمكن أن يتبنى هذا الأمر في مرحلته الأولى مجالس الآباء التي لا تخلو منها أي مدرسة. كل ذلك سوف يؤدي بلاشك إلى تقليل الآثار السلبية لوسائل الإعلام ويمثل صورة من صور الدفاع عن ديننا وقيمنا ومبادئنا ضد هجوم لن نستطيع أن نقهره بسهولة.
يرى خبراء الاتصال أن التعرض لوسائل الإعلام (التلفزيون، الأفلام، الفيديو، ألعاب الكمبيوتر، والجرائد والمجلات والكتب والدعايات، والإنترنت) يحمل معه السلبيات والإيجابيات على الأطفال والمراهقين حتى البالغين. لكن التربية الإعلامية يمكن أن تقلل من التأثيرات الضارة للإعلام. ومن الإيجابيات المحتملة للإعلام اختيار البرامج التلفزيونية ذات المغزى التعليمي ومقالات المجلات المحفزة للتفكير. أما السلبيات فتكمن في تبني العنف ومحاكاة المشاهد الجنسية واستسهال تدخين السجائر وتعاطي المسكرات والمخدرات وضعف التحصيل الدراسي وتعلم أساليب ارتكاب الجريمة والانحراف وقلة الحركة والنشاط والترويج للمواد الغذائية الضارة بالصحة. من هنا تأتي أهمية التربية الإعلامية للمعلم للحد من التأثيرات الضارة لوسائل الإعلام على الأطفال والمراهقين والبالغين من خلال تعليمهم الأساليب المثلى في التعامل مع تلك الوسائل.

العدد 163 من مجلة المعرفة السعودية
تم إضافته يوم الأحد 26/04/2009

الصحافة التفسيرية في مقابل الصحافة الاستقصائية

الصحافة التفسيرية في مقابل الصحافة الاستقصائية

أ. سيف الدين حسن العوض

المحاضر بكلية الاعلام جامعة امدرمان الاسلامية – السودان

safeelawad@hotmail.com

مقدمة:

علي الرغم من ان الصحيفة لا تزال هي الوسيلة التقليدية للاتصال الجماهيري، فان الدلائل تشير الي أن وسائل الاعلام الالكترونية صارت تنافسها في مد جموع ضخمة من الناس بالاخبار في وقت صارت فيه الصحيفة ليست هي المصدر الرئيس والوحيد للمعلومات المتاحة. وتبين استطلاعات الرأي اليوم أن صحفي الصحف المطبوعة يتمتعون بثقة جماهيرية اقل من تلك التي كانوا يتمتعون بها في الماضي.

وقد تعرضت وسائل الاعلام المطبوعة في مواجهة وسائل الاعلام الالكترونية وخاصة التلفزيون الي تحدي كبير (وفي عام 1970 أعدت لجنة خاصة شكّلها مجلس الشيوخ الكندي لدراسة وسائل الاعلام تقريراً بنتائج مسح أجرته علي مستوي الدولة عما تحدثه وسائل الاعلام المختلفة من ردود أفعال لدي المواطنين. وقد كشف عن أن 37% من الذين سئلوا يرون التلفزيون هو أكثر الوسائل إلتزاماً بالحقائق وكانت إجابات 28% في صالح الصحف. ورأي 59% أن التلفزيون هو الاكثر تأثيراً، وخلع 25% هذه الصفة علي الصحف. ورأي 60% أن التلفزيون هو الاكثر تعليماً وخلع 21% هذه الصفة علي الصحف. وقد أظهرت إستطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة نتائج مماثلة. دفع ذلك بحذر الخبراء مثل جورج كمستوك من الالتزام بنتائج هذه الاستطلاعات بصورة حرفية علي الرغم من الحقيقة التي تقول انه فيما يتعلق بالقصص الكبري المدوية مثل إغتيال الرئيس جون ف. كنيدي، فإن نسبة ضئيلة جداً من السكان تعلم بالحدث من خلال وسائل الاعلام المطبوعة. [1]

وربما كان أقوي أثر للوسائل الالكترونية علي وسائل الاعلام المطبوعة هو التغلب علي عنصر الوقت. وكانت القاعدة الشائعة في صناعة الصحف هي فالتحصل علي الخبر بطريقة صحيحة، ولكن لتحصل علي اولاً. أما اليوم فنادراً ما تنقل صحيفة قصة كبيرة للجمهور قبل أن تنقلها له وسائل الاعلام الالكترونية.

ومن هنا إتجهت الصحف الي التركيز أكثر علي الوظيفة التفسيرية للاخبار بدلاً من نقل آخر الاخبار، ولقد وجد بعض المحررين المطلعين قبل مدة طويلة أن النقص في فهم الناس للاخبار هو واحد من الاسباب الرئيسية في إنخفاض نسبة قراء الصحف. ولهذا السبب بدأت قبل الحرب العالمية الثانية حركة لتفسير الاخبار وشرح ما بين السطور وإيضاح سبب وقوع الاحداث "إلا أن تفسير الاخبار لم يلق قبولاً عاماً في دنيا الصحافة الا بعد الحرب العالمية الثانية" [2]

ما هو تفسير الاخبار:

إن تفسير الاخبار يضيف أساساً عنصر الحكم علي ما تسميه الاخبار المباشرة، وهي تروي الحقائق بدون تزويق وكذلك الاستطلاعات التي قد تمثل الحقيقة أو قد لا تمثلها. وعلي سبيل المثال، فقد يكشف خطيب أو متحدث بارز عن بعض الاخبار عندما يدلي ببيان يثير الدهشة. ولكن ذلك لا يعني أن بيانه صحيح. إن الدقة كما يعرفها جميع الصحفيين – لا تعني مجرد إستخدام الاقتباسات في الخبر في مكانها الصحيح، أو كتابة الاسماء الوسطي للمصدر صحيحة. إن الكاتب المفسر عليه مسئولية إضافية وهي النظر الي الاخبار في ضوء هذا الاعتبار.[3]

ويري بعض أساتذة الاعلام أن التحليل والتفسير وظيفة مستقلة من الوظائف التي تؤديها وسائل الاعلام أو مهمة يتوقعها الجمهور من هذه الوسائل. "وتحرص كل وسائل الاعلام علي الفصل بين الخبر وبين التحليل والتعليق كتقليد عام، على ا لرغم من أن الممارسات الصحفية تكشف عن وجود شائع لتفسيرات المندوبين أو المحررين في سياق الخبر الذي يقدمونه"[4]

لماذا تفسر الصحف الاخبار؟:

يجيب ميلفن مينتشر على هذا السؤال بقوله : " لا يقتنع الناس ولا يرضون فقط بمعرفة ماذا حدث؟ وماذا يعني ما حدث؟ وما هي النتائج والآثار المتوقعة لما حدث" . ويضيف "هذه المعلومات قد لا تكون أحياناً متوفرة بسرعة للصحفي، ولكن حين تكون القصة مهمة وحين يكون ممكناً الحفر والتنقيب والبحث عن المادة المساعدة يجب الا يتردد المخبر في توسيع وتعميق التنقيب وبالتالي الانتقال الي التغطية التي تفسر الحدث" وهو يقول ايضا "أن المعركة التي دارت حول الحاجة الي التغطية التي تفسر الحدث انتهت منذ فترة طويلة، وذلك بالرغم من تخوف بعض الصحف ومحطات الاذاعة من مخاطرها، وبالتالي نادراً ما يسمحون بإستخدامها. حقاً سمة أخطار، ولكن هذه المخاطر هي أكثر بمقدار قليل جداً من تلك المخاطر الكامنة في مجالات أخري من العمل الصحفيٍ. كما إن الفوائد التي تحققها التغطية الاخبارية المفسرة للا حداث تفوق بمقدار كبير هذه المخاطر"[5]

ويؤكد البروفيسور كورتيس ماكدوغال في معرض حديثه عن الحاجة الي تفسير الاخبار الي أن "صحفي المستقبل الناجح يجب عليه أن يكون قادراً علي ما هو أكثر من مجرد التغطية الاخبارية الروتينية، يجب أن يكون قادراً ليست فقط على نقل ما يحدث، بل وعلي تفسيره أيضاً"[6]

متي وكيف تفسر الاخبار؟:

هناك إتفاق واسع عادل بين المحررين الامريكيين يقول: " بأن الاخبار ومعانيها يجب أن تكون واضحة. ولقد إتفق بوجه عام علي ضرورة تفسير الاخبار المتعلقة بالشؤون الخارجية ولكن عندما يصل التفسير الي المستوى المحلي حيث تعالج الصحف موضوعاً سياسياً أو حكومياً يضطرب المحررون ويشير بعضهم الي أن المراسل قد يضع تفسيره الخاص بشكل شريف في خبره كما أن المحرر يستطيع وضع تفسير ثان ويظل يحق للناشر ان يضع تفسيراً ثالثا"[7]

وبالرغم من أن الاخطار التي تتضمنها التغطية الاخبارية المفسرة، فليس أمام المخبر خيار آخر سوي محاولة شرح وتوضيح الاحداث التي يغطيها لان تفسير الاخبار بكل ما يكتنفه من مخاطر، غالباً ما يكون أكثر أماناً وحكمة من الاقتصار علي نشر الاخبار العارية والمجردة وغير المفهومة أحياناً. ولكن تفسير الخبر مسألة تعني أكثر من مجرد القدرة علي تحديد وفهم اللغة التي يتحدث بها أشخاص من شتي مناحي الحياة. يتضمن فهم الخبر التمييز والتعرف علي الحدث المعني والمحدد كحلقة في سلسلة من الاحداث سواء من ناحية السبب أو النتيجة والتأثير[8]

من الذي يقوم بتفسير الاخبار؟:

ليس كل شخص في جريدة أو محطة إذاعة لديه إمتياز تفسير الاخبار كما يقرر ذلك جون هوهنبرج "فبالنسبة للمبتدئ فإن التفسير يعتبر محظوراً عليه بوجه عام الا في حالة ما أعطاه رئيسه المسؤول تعليمات خاصة بالنسبة لقصة معينة. ولكن بالنسبة لمعظم قصص الشؤون العامة – بالذات فإن تفسير الاخبار يعتبر ضرورة"[9]



تفسير الاخبار في مقابل التعليق عليها:

الفرق بين تفسير الاخبار والتعليق عليها يوضحه جون هوهنبرج بقوله : إن الكاتب المفسر يشرح الاخبار، وينسبها الي مصادرها ليظهر كيف أن الشرح صحيح. ولكنه يتوقف عند حد معين ولا يقدم مقترحات أو بحث علي اتخاذا إجراء علي مسؤوليته الخاصة .. اما المعلق فهو يبلغ القارئ أو المستمع او المشاهد ما يجب وما لا يجب عمله حول الموقف، موضحاً أن الرأي الذي عبر عنه هو رأي المؤسسة الصحفية وفيما يلي بعض الطرق التي يمكن إستخدام التفسير فيها بطريقة مشروعة بواسطة وسائل الاعلام:[10]

طرق واساليب التفسير:

1. في الصحافة يمكن كتابة التفسير ضمن القصة الرئيسية أو يمكن أن يكون موضوعاً للتحليل كمقال منفصل. وفي وسائل الاعلام الالكترونية يمكن إعداد بيان تفسيري في أثناء إذاعة النشرة أو إعداد وتعليق منفصل عقب النشرة يتولاه محلل له سمعة معروفة.

2. بالنسبة لجميع وسائل الاعلام فإن القاعدة التي لا تتغير هي أن نقدم الاخبار أولاً، ثم نقول ماذا تعني هذه الاخبار في الوقت المناسب. واذا كانت هناك عدة معان محتملة، وبدون معرفة أيها الصحيح فإن الطريقة العادلة أن نقدم التقرير بهذه الطريقة تماماً. وفي بعض الاحوال فإن الجمهور يجب أن يعرف الحقائق التي بني عليها التفسير حتي يستطيع كل شخص أن يقرر مدي صحة التحليل علي ضوء الدليل المقدم اليه.

3. إذا استخدمنا التفسير في مقدمة القصة لاعطائها معني، فإن التفسير يجب أن يوثق علي الفور (يدعم بالوثائق). وإذا لم يكن التفسير كاملاً ومقنعاً، فمن الافضل إستخدام مقدمة إخبارية مباشرة، مع إضافة التفسير فيما بعد.

4. يجب الاشارة بوضوح الي الجزء التفسيري في الخبر للقارئ عند البداية بذكر عبارة مناسبة مثل: (هاهو معني الاقتراح بزيادة سنتين في الضريبة علي البنزين في الولاية) او (ها هنا كيف تتأثر فاتورة الكهرباء الخاصة بك مع الاسعار الجديدة للكهرباء) إن الاخبار كما هي أخبار لا يجب تكرارها في الجزء التفسيري وذلك علي أساس إفتراض أن القصة الرئيسية سوف تجعل الحقائق الاساسية واضحة تماماً.

5. يأتي توقيع صاحب القصة التفسيرية معها كأفضل ضمان أن توضيحاً غير منحاز للاحداث قد تم تقديمه. وقد يكون من الضروري في بعض الاحيان إستخدام عبارات مثل (قالت الدوائر المسؤولة) أو (يعتقد المراقبون) أو (قالت المصادر العلمية) إلا أن المحرر يجب عليه في جميع الاحوال أن يكون قد ناقش القصة مع هذه الدوائر أو المصادر العلمية او المراقبين. إن المعارضة تستطيع في معظم الاحوال أن تكتشف بسرعة ما إذا كانت مصادر المحرر العليمة خيالية ام لا، ويؤدي الي عواقب محرجة في بعض الاحيان.

6. عندما تشرح قصة ما نفسها، فإنه يجب كتابتها بدون اللجؤ الي وسائل التفسير واذا كانت قصة أخري تحتاج الي بعد آخر علي شكل معلومات للخلفية او الي فقرة عن قرار أو إجراء تم إتخاذه من قبل، فإنه يجب تقديم هذه الاضافة غير أن ذلك لا يمثل تفسيراً للخبر.

7. قد يوائم الكتاب في وسائل الاعلام الالكترونية معظم ما سبق مع متطلبات أحوالهم، ولكن تبقي المشكلة الرئيسية في تقديم التفسير للخبر في الاذاعة والتلفزيون أن عدداً قليلاً نسبياً من الصحفيين يسمح لهم أن يفعلوا ذلك.

8. عند الكتابة للمجلات الاخبارية او ملخص للاحداث في صحيفة الاحد او الجمعة مثلاً فإن الصحفي يميل غالباً الي زيادة التحليل وزيادة التفسير وحتي إذا كان القراء يعرفون الحقائق الاساسية لموقف معين، وهذا إفتراض ضعيف عادة، فإنه من الخطأ إرهافهم بكثير من الآراء الزائدة عن الحد اذا كانوا بكل بساطة غير مهتمين بها. وهذا هو الضعف الاساسي في كثير من صفحات الرأي.

ويمكن تلخيص هذه الطرق التي تستخدم للتفسير لاعطاء معني للاخبار فيما يلي:

1. المقدمة التفسيرية: فبدلاً من كتابة مقدمة روتينية لخبر معين علي اساس معلومات من جهة ما يمكن للمحرر أن يكتب مقدمة تفسيرية ومن ثم التوصل الي نتيجة واضحة بعد تفسير الخبر.

2. الفقرة التفسيرية: لا يكفي في تقارير المحاكم بالذات أن تقول إن أحد الشهور ادلي بشهادتة او انه جري إستجوابه. إن الهدف من الشهادة والاستجواب يجب الاشارة اليه بسرعة علي قدر الامكان.

3. نتائج المحلل: غالباً عند الكتابة عن الانتخابات ، من الضروري ان نقدم نتائج بدلاً من الحديث عن مجموع النواب المنتخبين وهكذا فإن التحليل يخرج عن نطاق الأرقام المتاحة لنا في مقدمة الخبر.

4. ملخص مبوب (بالجداول): في القصص الاخبارية عن الضرائب والميزانية، التأمينات الاجتماعية والامور الاخري التي تؤثر في ملايين الاشخاص فإن الملخص المبوب (بالجداول) يعتبر من أفضل الطرق لشرح الامر الصعب.

5. إضافة فقرات تفسيرية: كثير من الصحف وجميع محطات الاذاعة والتلفزيون تقريباً تعتمد علي أن تضفي علي قصصها التفسيرية عبارة (تحليل إخباري) لانها تتضمن بالضرورة أحكاماً شخصية للكاتب أو المعلق. والقصة كلها عبارة عن تعليق لان الاخبار تذاع منفصلة وبالتفصيل.

ويضيف ميلفن مينتشر احد الاساليب التي يتبعها المخبرون لاضافة التفسير الي اخبارهم وهو (أنهم يطلبون من المصدر أن يقدّر الموقف). وفي بعض الاحيان قد لا تكون التوضيحات التي يقدمها مصدر واحد مناسبة او كافية لتوضيح الاخبار المعقدة كما أن (كيف) و (لماذا) في حدث ما قد يكونان سؤالين مخادعين بحيث لا تكون إجابة واحدة كافية. وفي هذه الحالة يجب أن يبحث المخبر عن عدة مصادر أخري من أجل توسيع مجال التوضيحات، والتوضيحات المتقاطعة والتحليلات، والتحليلات المتقاطعة. هذا النوع من التغطية الاخبارية من شأنه أن يعطي القارئ أو المستمع عدة بدائل وخيارات، كما يستطيع أن يقيم عليها إستنتاجاته[11]

أسباب نمو الصحافة التفسيرية:

1. يشير ديفيد اس برودر الي أن الصحافة التفسيرية نمت واندفعت بسرعة الي الامام بفعل تعقد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية – الدبلوماسية التي واجهت الولايات المتحدة في الثلاثينات والاربعينات. فالنازية والفاشية والسياسات المتبعة لمواجهتها كانت كلها أشياء بحاجة الي تفسير تتولي الصحافة تقديمه للناس ... ولم تكن شيئاً يكتفي المحرر بنقل أخباره فقط.[12]

2. إلا أن البروفيسور كورتيس ماكدوغال يؤكد أن القوة الدافعة الهامة الاولي نحو المعالجة التفسيرية ونحو الاستخدام التفسيري قدمتها الحرب العالمية الاولي. فحين اندلعت هذه الحرب كان معظم الامريكيين مفاجئين – وفي الحقيقة مذهولين وعاجزين تماماً عن إيضاح أسبابها. وأثتاء العشرينيات والثلاثينيات عينت وكالات الانباء والصحف في العواصم ومراكز الاخبار العالمية خبراء مدربين ومؤهلين ليس فقط لنقل الاخبار، بل وكذلك أيضاً لشرح وتفسير الوقائع والاحداث الجارية، ولذلك لم يكن مستغرباً أنه وعلي العكس من 1914 وقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، كانت الغالبية الساحقة من الامريكيين تتوقع هذه الحرب او علي الاقل تعرف أنها ممكنة إن لم تكن محتملة ذلك أن الوكالات والصحف قدمت تفسيرات للاحداث ولم تصر – كما كان سابقاً – علي مجرد تغطية الوقائع الظاهرة والواضحة[13]

3. كما إزداد طلب القراء علي ما هو أكثر من مجرد التغطية الاخبارية للشؤون المحلية زيادة هائلة بعد إنهيار سوق الاوراق المالية عام 1929، وأثناء فترة الانكماش الاقتصادي في الثلاثينيات، وفترة حركة النظام الجديد (New Deal) التجريبية والتي جلبت معها ادراكاً علي صعيد الامة كلها للاهمية المتزايدة للحكومة الفيدرالية في حياة كل مواطن. وارتفعت كالصاروخ ارقام توزيع مجلات اسبوعية صادرة حديثاً مثل تايم (Time) ونيوزويك News Week) ومجلة ريدرز دايجست Readers Digest)) وغيرها من المجلات الشهرية التي تضم مواد مختارة وملخصة ومنسقة. ويعود ذلك الي تزايد رغبة المواطن في أن يعرف ماذا يحدث في شتي مجالات الاهتمام والنشاط البشريين[14]

4. كيفت الصحف طابعها الاخباري الاساسي ووسعت محتوياتها لتتضمن الاعمدة التي تحمل توقيعات محللين سياسيين.

5. في أواسط الثلاثينيات بدأت الصحف تنشر مقالات العرض (Review) الصحفية الاسبوعية للاخبار. كما حاولت الصحف كذلك نشر مراجعات إخبارية متنوعة يومية، ووسعت هذه الصحف الملاحق او المجلات التي تنشرها يوم الاحد، كما وسعت أقسام المقالات الوصفية والقصصية الابداعية، وزادت من عدد المقالات الاضافية او المتممة وذلك من أجل أن تستطيع تقديم خلفية تاريخية وجغرافية وذاتية ومعلوماتية للخبر، بهدف جعل الاخبار المتعلقة بالاحداث الراهنة مفهومة وذات مغزي ومعني ودلالة.

6. بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حظي موضوع تفسير الاخبار بعناية واهتمام رابطة محرري الصحف الامريكية وغيرها من المنظمات الصحفية التي تأسست منذ العام 1947 ونشرت دراسات عديدة وأثارت مناقشات ساخنة حول موضوع تفسير الاخبار.

7. أعطي إهتمام خاص في البداية الي التعاريف المتعلقة بتحديد ما هو الفرق الموجود بين التفسير من جهة وبين المادة التي تتضمن الشرح والوقائع وتشكل الخلفية والمقالات الافتتاحية وأعمدة الرأي من جهة أخري.

8. أما الآن فقد انتهت عملياً المناقشة ولكن ما زالت ثمة اصوات قليلة تقف ضد الحاجة الي التغطية الاخبارية التفسيرية[15]

متطلبات التغطية التفسيرية:

التغطية التفسيرية هي نوع من التغطية الاخبارية يقوم الصحفي خلالها بجمع المعلومات المساعدة أو التفسيرية الي جانب الحقائق الاساسية لقصص الاخبارية وذلك بهدف تفسير الخبر او شرحه وخدمة القراء الذين ليس لديهم وقت كاف للبحث بأنفسهم بشرط أن تكون هذه التغطية منصفة تقدم كل التفاصيل ... وتتضمن هذه التغطية وصف الجو العام المحيط بالحدث أو وصف المكان أو وصف الاشخاص وذكر بعض المعلومات الجغرافية أو التاريخية أو الاقتصادية أو السياسية عن البلد التي وقع بها الحدث وتحليل الاسباب والدوافع والنتائج والآثار المتوقعة المبنية علي الجهد والدراسة والربط بين الواقع والاحداث المشابهة وعقد المقارنات[16]

ويمكن تقديم التفسير والتحليل سواء من قبل المخبر او من قبل المصادر (ما هو مقدار التفسير المسموح للمرء أن يقوم به... مسألة تتوقف علي مدي ثقة رئيس التحرير به، وبمقدرته على تفسير الاحداث[17]

وتتألف التغطية الاخبارية الجيدة من الحصول علي الوقائع المناسبة، ومن ثم الحصول علي أشياء أخري إضافية. وإذا لم ينجح المخبر في ذلك فإن القصة الاخبارية سوف لن تكون كاملة، وقد تكون مضللة وذلك نظراً لان بعض العناصر الهامة قد تم اهمالها.. والمتطلبات الاساسية للتغطية التفسيرية يوضحها البروفيسور كورتيس ماكدوغال فيما يلي:

1. إن المخبر الذي يتعلم أن يقوم بعمل شامل كامل يتمثل في البحث والتنقيب في جميع الزوايا الكامنة للقصة الاخبارية البسيطة و (الواضحة) هو مخبر يحصل علي تدريب ثمين سوف يمكنه من تفسير الاخبار التي ينقلها.

2. كذلك فإن حاسة (شم رائحة الاخبار) التي تعني المقدرة علي التعرف على الامكانيات الاخبارية في المعلومات – صفة هامة يجب أن تتوفر في المخبر الذي يسعى الي تفسير الاخبار.

3. لابد أن يدرك المخبر حقيقة أن الخبر الواحد لا يمثل حدثاً منعزلاً، بل هو ، وبشكل حتمي ومؤكد ، مرتبط بسلسلة من الاحداث الهامة.

4. يجب أن يكون المخبر المفسر للاحداث في المستقبل صامداً وماصاً للصدمات، وكذلك مثل المحلل النفسي والفيلسوف العلمي في رؤيته للحياة. أنه لا يستطيع أن ينجح إذا ما عرقلت المواقف النمطية (بمعني الانفعالات التي تنفجر بدون أي تفكير، فقد يكون المخبر إيجابياً إزاء الاطباء والقضاة وسلبياً إزاء الباعة وعمال السباكة، دون تمييز بين الافراد في هذه المجموعات) والجامدة التي تتضمن تحاملاً والتي من شأنها أن تسئ الي فهمه وإدراكه للقضايا الانسانية.

5. يجب علي المخبر المفسر أن يفهم بشكل جيد كيف يفكر الناس، ولماذا يفكرون بهذه الطريقة وذلك من أجل أن يتجنب الاخطار أثناء عملية بحثه الدائب عما يسمي الحقيقة، وكذلك من أجل أن يفهم سلوك أولئك الذين تعتبر عملية نقل أفعالهم مسؤوليته الخاصة.

6. يجب علي مفسر الاخبار أن يري الاسباب في حين أن الأفراد العاديين يراقبون ويرون فقط ظواهر الاحداث، ويجب أن يدرس هذه الاسباب تماماً بذات القدرة من الجدية والامعان الذي يدرس به العالم العينة بمجهره، أي يدرسها علمياً.

7. ولكي يغطي المخبر الحادث بعمق ويفسره، يجب أن يكون دائماً نشيطاً ويقظاً ومستعداً للاستفادة من الفرص، يجب عليه أن يفكر ويفكر ويفكر كما يجب عليه أن يسأل ويسأل ويسأل.

الاخبار بين الحقيقة والتفسير:

الفرق واضح جداً بين التغطية التفسيرية والرأي فإذا عمق المحرر الحقيقة وغاص في جوهر الحدث جامعاً كل الحقائق المتعلقة به والتي يستطيع الحصول عليها فهو بذلك يكون قد قدم تغطية تفسيرية، أما إذا ناقش في كتاباته بشكل صريح القضية وطرح وجهة نظره فهو يكون بذلك قدم تعليقاً أو رأي.

واشكال التغطية التفسيرية التحريرية تختلف تماماً عن أشكال الرأي والتعليق، فالتقارير التفسيرية وخلفيات الاحداث والتفسيرات والملخصات الاسبوعية كلها بعضاً من أشكال التغطية التفسيرية أما المقال بأنواعه فهو أحد أبرز أشكال الرأي والتعليق ..

والحقيقة أن التحليل أو التفسير والتعليق يمثلان جانبان هامان من الوظيفة الاخبارية لوسائل الاعلام ، سواء من ناحية الجمهور أو من ناحية وسائل الاعلام ذاتها "فمن ناحية الجمهور تبدو كثير من الاخبار غير مفهومة وغير ذات دلالة ما لم تقدم لها خلفيات تاريخية أو شرح لبعض المصطلحات أو تفسيرات لدلالاتها. فعلي الرغم من أهمية الحقائق كأساس للتقارير الاخبارية إلا أنها بحاجة الي تفسير. ومن ناحية الوسائل فإن الاهتمام بتحليل الاخبار وتفسيرها يعني الخروج من سلبية الدور المحايد أو الموضوعي الذي إلتزمت به وسائل الاعلام فترة طويلة[18]

يشير د. عبد الفتاح عبد النبي الي إستحالة نقل الحقيقة المجردة دون تفسير، لان ذلك قد يشوه أحياناً الحقيقة ذاتها من خلال تقديم أخبار ناقصة وغير مفهومة نسبة لتباين المستويات الثقافية للجمهور. وإذا كان القول بأهمية تفسير الاخبار مهمة مطلوبة لفهم هذه الاخبار وإذا كان ثمة احتمالات ومخاطر من إختلاط الحقيفه بالراى خلال التفسير ، الا أنه من الاهميه وضع الحقائق فى السياق الذى يعطيها معناها كمهمة من مهام الصحافه صاحبه الرساله والتى اصبح الاحتياج اليها شديدا فى كافه الانظمة وبالذات مجتمعات العالم الثالث التى يصبح الالتزام بالتنمية كقضيه اكثر اهمية من الحقائق المجردة، لان مجرد عرض الاخبار والحقائق المجردة لا يقدم اية فائدة لقراء الصحف ومستمعى الراديو فى هذه المجتمعات ، ومن ثم فان الضرورة تفرض على الصحفيين هنا التخلى عن الموضوعية الزائفه وتفسير الاحداث وان يبشروا بما يعتقدون انه الموقف الذى يجب ان يتبناه قراؤهم ومشاهدوهم[19]

وإذا كانت مهمة تفسير الاخبار تتصل إتصالاً وثيقاً بالخبر أي تعتبر جزءً مهماً من أجزائه وتفصيلاً توضيحياً من تفصيلاته "فانه من الاهمية بمكان أن يلتزم في هذا التفسير بالموضوعية، أي لا يدس الرأي في التفسير، حيث أن مقالات الرأي والافتتاحيات والاعمدة هي الاماكن الملائمة لوجهات النظر. ويعتمد في التفسير الاخباري علي الصور التحليلية، أي ماذا حدث؟ ولماذا حدث ما حدث؟ وقد لا يقتصر علي تحليل الكيفية وتحليل الدوافع والوسائل وبيان الاسباب، بل يذهب التحليل والتحري حد توضيح قيمة التطور الذي صاحب الحدث الاخباري وقد يستخدم في ذلك العرض التاريخي في معرض المقارنة. وإن كانت هذه المعالجة تحتاج الي جهد كبير حيث أنها لا تقف عند حد تناول العناصر التي ترتكز عليها الاحداث بل تذهب الي إستخراج الفكرة الهامة أو الهدف من الملابسات التاريخية، وتكون للتكهنات قيمتها لارتكازها علي حوادث سابقة ومشاهدات وهي جميعها تكشف عما وراء الخبر[20]

مدرسة التفسير في مقابل مدرسة الخبر:

يشير الدكتور محمود ادهم في معرض تناوله للاتجاهات التحريرية الجديدة الي قيام (مدرسة التفسير) في مقابل (مدرسة الخبر) ويعرف مدرسة التفسير بأنها هي مدرسة تجمع بين أهم ما تقدمه مدرسة الخبر وتضيف إليها بعضاً من أهم ما تقدمه (مدرسة الراي) أو (مدرسة المقال) لا سيما جوانب الشرح والتفسير والتعليق والتحليل ممثلة في قيام إتجاهات جديدة أفرزتها حاجة القراء ومن أهمها:[21]

1. الاتجاه التفسيري، وهو الاصل والاساس هنا وينقسم الي أكثر من قسم ويضم:

أ‌) الاتجاه التفسيري العام

ب‌) إتجاه التفسير اللغوي

ج) إتجاه التفسير التاريخي

د) إتجاه التفسير الوقائعي

ه) إتجاه التفسير المعلوماتي

و) إتجاه التفسير النفسي

2. الاتجاه الوصفي الذاتي

3. الاتجاه التحليلي

4. الاتجاه النقدي

5. الاتجاه المقارن

6. الاتجاه المستكشف (التوقعات الهامة)

ويؤكد الدكتور محمود أدهم أن الاتجاهات الجديدة في التحرير الصحفي " لا تعرف في أكثر الاحوال ) (المادة البحت) خاصة المادة الاخبارية وإنما تتبعها فوراً بالشرح والتفسير والتناول ورؤية المحرر المؤكدة لايجابيته. ومن ثم فالدور التحريري هنا والاساس الفني الذي يقوم عليه ليس هو البحث والرصد والتسجيل فقط وإنما يتعدي ذلك كله بواسطة إتجاهات يختلف تطبيقها من صحيفة لاخري لثالثة لكنها – جميعها – تقول بأنه لا صحفي بغير شرح وتفسير وتعليق وتحليل وإثبات للوجود الصحفي التحريري.. بكل معانيه.. ولا يقتصر اسر ذلك علي أنواع المقالات فقط وإنما يتعداها علي كل مادة أخري، حتي الاخبارية منها ما دام المحرر يحس بحاجتها الي ذلك ومن هنا فهذه الاتجاهات كلها تنبع أو تقوم علي معادلة تقول:

المادة المتجمعة + الشك في صحتها + الشك في قدرة القراء علي فهمها + الشرح والتفسير والتحليل بأنواعه + عنصر الرأي = قارئ واع وصحافة جديدة.

ومن هنا يقول أساتذة الاعلام إن كل ما لم يشرح ويفسر ويحلل ولو في عدة عبارات قليلة ، وعلي الرغم من حاجته الي ذلك فهو صحافة من الدرجة الثانية تفرض في القيام بالمسؤولية الصحفية وتهرب من القيام بهذا الدور الذي ينبغي أن تقوم به[22]

فعالية النص الصحفي في تفسيره:

النص الصحفي الفعال: هو ذلك النص الذي يتمتع بخصائص تجعله مؤثراً وفعالاً وقادراً علي إحداث تغير في أراء وعواطف وأفعال جماهير القراء ويوجهها فكرياً وإجتماعياً و "أن فعالية النص الصحفي ونجاحه مرهونة بعملية الاعداد والتحضير له، أي بمرحلة ما قبل ظهوره للنور وتقديمه لجماهير القراء لان في مرحلة التحضير هذه يتم إختيار موضوع النص ويعالج ويتحدد بوضوح ودقة هدفه، ويتبلور مضمونه ومقدار أخباره الواقعية والضرورية إجتماعياً ويتبين الي اي حد يصور النص الواقع الموضوعي ويلتزم بقضايا جماهير الشعب ومصالحها. إن قيمة موضوع النص الصحفي وأهميته وحيويته غير ممكنه بدون معرفة الصحفي الكاتب عن كثب موضوع الخبر ومادته، وبدون جمع المعطيات والمعلومات عنه، وشرح جميع نقاطه وجوانبه وحل مشاكله، وتحديد ما هو مهم فيه وما هو ثانوي، ودراسة جميع العوامل المؤثرة في الموضوع الذي يعالجه. أي أن معالجة موضوع النص الصحفي الاخباري يجب أن تتم من خلال إستخدام الحقائق والاخبار والمعطيات المترابطة منطقياً والتي تسمح للصحفي بتنوير ومعالجة موضوعه والوصول الي النتائج التي يريدها[23]

الاشكال الاخبارية التي تقدم المادة التفسيرية:

عندما يتردد الصحفي علي مصادر الاخبار ويتابعها تبرز أمامه روايات متعددة تصلح لبناء قصص إخبارية مختلفة النوعيات. فالخبر يتطور بتعدد زواياه وقد يخرج عن طابعه الاخباري البحت ليصير موضوعاً صحفياً شائقاً، جديراً بالنشر. وإذن ففي كل خبر رواية جديرة بالسرد والمعالجة وكلما نقب المخبر وتعمق في البحث كلما تفتحت له الابواب المغلقة وراء الخبر، فإذا بالخبر القصير السريع يتطور ليصبح موضوعاً صحفياً جديراً بالرواية وتلجأ وسائل الاعلام حالياً الي إستخدام أشكال عديدة لاداء مهمة تحليل وتفسير الاحداث منها[24]:

1. التقارير التفسيرية وخلفيات الاحداث

يتزايد إهتمام وسائل الاعلام بهذه التقارير التي تستهدف تقديم أكبر قدر من التفصيلات حول الاحداث الجارية. ولذلك تحرص وسائل الاعلام علي أن يكون من بين مندوبيها متخصصون يستطيعون تقديم المزيد من التفسيرات للاحداث التي يقومون بتغطيتها خاصة تلك الاحداث التي تتسم بطبيعة خلافية أو المثيرة للاهتمام العام.

وفي السنوات الاخيرة كانت الصحف أكثر إنفتاحاً لاستئجار الخبراء. ومن المحتمل أن الصحف الكبري لديها مخبر صحفي حاصل علي شهادة في القانون لتغطية المحكمة العليا او مراسلين أجانب يمكنهم التحدث بلغة البلاد التي يغطونها. ولكن الصحف التي جربت الخبراء كثيراً ما خاب ظنها كما هو الحال بالنسبة لصحيفة (وول ستريت جورنال) منذ عدة سنوات. فقد وظفت الصحيفة مجموعة من الصحفيين كانوا يعملون في مطبوعات متخصصة ظناً منها نهم سوفأنهم سوف يثرون تغطية تلك الموضوعات غير أنه اتضح أن المتخصصين لا يمكنهم تكييف أنفسهم مع شرط هذه الصحيفة الخاص بالكتابة للجمهور العام[25]

ورغم أن الصحافة كانت اسبق الي إستخدام التقارير التفسيرية من الاذاعة بشقيها المسموع والمرئي إلا أن الاخيرة تخلت عن موقفها التقليدي من التغطية الروتينية المباشرة للاحداث وإتجهت نحو مزيد من التقارير التفسيرية.

وأدي هذا الاهتمام من جانب وسائل الاعلام بتقديم تفسيرات وخلفيات للاحداث الي إهتمام وكالات الانباء الدولية بتقديم خدمات خاصة تلبية لاحتياجات هذه الوسائل فكانت وكالة الاسوشيتدبرس أسبق الوكالات الي تقديم هذه الخدمات الخاصة فقد عهدت بهذه المهمة الي مجموعات من المندوبين الذين يقومون بإستقصاء الاحداث الهامة وتقديم كافة التفسيرات والتفصيلات حولها. ولا يعمل مثل هؤلاء المندوبين في ظروف العمل الاخباري العادي حيث لا يتعين عليهم كتابة تقارير سريعة حول حقائق الاحداث الاخبارية نظراً لعامل الوقت ولكن مهمتهم الخاصة بتقديم شروح وتفسيرات لمعاني الاحداث وحقائقها لا تجعل لعامل الوقت تلك الاهمية التي يلقاها في التغطية الاخبارية العادية.

2. التفسيرات والملخصات الاسبوعية

تعتبر المجلات الاخبارية والصحف الاسبوعية أكثر وسائل الاعلام إهتماماً بتحليل وتفسير الاحداث. وهي المهمة التي وجدت فيها المجلات والصحف الاسبوعية شكلاً يميز دورها الاخباري بين وسائل الاعلام اليومية التي تساعدها دورية صدورها علي متابعة الاحداث اولاً بأول. وتهتم هذه الصحف والمجلات بنشر أخبار الاسبوع من خلال منظور تاريخي أو سياسي أو علمي للتعبير عن معني الاحداث. فقد وجدت المجلات أنه من الصعب عليها منافسة الصحف اليومية أو محطات الاذاعة في التغطية الاخبارية المباشرة للاحداث وكان الطريق الافضل هو الاهتمام بتحليل أكثر عمقاً لهذه الاحداث.

وقد طورت مجلة تايم اسلوباً جديداً يحقق هذه الوظيفة بكفاءة عالية وهو ما يسمي بالصحافة الجماعية (Group Journalism) حيث يرسل مندوبها كل ما لديهم من حقائق حول حدث معين وفي زوايا مختلفة الي مقر المجلة في نيويورك. وتخضع كل هذه الحقائق لعملية فحص دقيق علي أيدي خبراء متخصصين ومحررين من ذوي الخبرة ومن مجمع أراء هؤلاء جميعاً تنشر المجلة ملخصاً نهائياً لتحليل وتفسير حقائق حدث معين من منظور واسع.

وتقوم صحف عديدة اليوم بتقديم عرض اسبوعي خاص للاحداث المختلفة. ومن الاتجاهات الجديدة في الصحافة ظهور صحف اسبوعية أو ملاحق اسبوعية من أجل تقديم تحليلات وتفسيرات للاحداث واشهر هذه الصحف صحيفة (Barron's)، وهي صحيفة اسبوعية تهتم بتقديم تحليلات وتفسيرات للاحداث ذات الصلة بشؤون المال وهي تصدر عن مؤسسة داو – جونز الامريكية (وهي مؤسسة يملكها الاقتصاديان الامريكيان تشارلس داو واروارد جونز اللذان طورا صيغة إقتصادية يعتمد عليها التقرير المسمي بـ "مؤشرات داو –جونز" والذي يصدر يومياً لتوضيح السعر النسبي للاسهم في بورصة نيويورك). وفي مجال الاذاعة فإن كثيراً من محطات الراديو والتلفزيون يهتم بتخصيص برامج في نهاية الاسبوع يعرض بالتحليل لاهم أحداث الاسبوع.

3. الحملات الصحفية

تعتبر الحملات الصحفية توظيف لاشكال صحفية مختلفة وفقاً لخطة موضوعة لاثارة قضية أو لعرض موضوع للرد علي موقف إتخذته جماعة.

ويعرف الدكتور سيد سلامة الحملة الصحفية (بأنها ليست شكلاً صحفياً تحريرياً ولكنها في الاساس عبارة عن مضمون أو محتوي في قالب تحريري أو شكل صحفي يهاجم (مستهدف) سواء كان شخصاً أو قضية أو مشكلة ويتحقق من خلال هذا المضمون أو المحتوي مفاجأة الخصم (المستهدف) بالحقائق التي تعتمد علي الوثائق والمستندات ، وذلك لتحقيق هدف مباشر وهو إرباك الخصم وهدف غير مباشر وهو التأثير السريع علي المتلقي في محاولة لكسب تأييده تجاه مضمون الحمله، وذلك بهدف إنجاح الحملة في تحقيق غرضها وهو حل المشكلة ويحاول محرر الحملة أثناء النشر أن يخلق صراع بين طرفين: الاول هو المتلقي او مستقبل الحملة، والطرف الآخر وهو المستهدف من الحملة الصحفية وقد يكون المستهدف من الحملة الصحفية شخصاً أو مجموعة أشخاص تؤثر تصرفاتهم أو سلوكياتهم علي المجتمع بطريقة ما، أو قضية أو مشكلة أو ظاهرة[26]

ويؤكد الدكتور سلامه على أن المقصود بالطابع الهجومي في مضمون الحملة ليس الاسفاف أو الشتائم واستخدام الالفاظ الجارحة، بل هو الطابع الهجومي الذي يتصدي للحملة مهاجماً من خلال الحقائق والمعلومات المدعمة بالوثائق والمستندات والبيانات الدقيقة، فالعمود الفقري للحمله الصحفية هو الطابع الهجومي إضافة للطابع التوثيقي لها.

ولا ينشر محتوي الحمله أو مضمونها في موضوع واحد ولكن في سلسلة من الموضوعات المتتالية وهنا ينبغي التفرقة بين الحمله الصحفية وأي مضمون آخر قد ينشر في شكل سلسلة من الموضوعات حيث لا يمكن أن نطلق عليها حمله صحفيه رغم أن هذا المضمون قد يتعرض بالنقد لقضية أو مشكلة أو شخص ما أو عدة أشخاص، فالمعيار الاساسي الذي يمكن إستخدامه من وجهة نظر الدكتور سيد سلامه- لوصف المضمون بأنه حملة صحفية هو مدي إستفادة المضمون وتعميقه بالحقائق الوثائقية إضافة الي مدي إتساع هذا المضمون بالطابع الهجومي أو الانتقادي ، وعدم وجود جدل أو خلاف في الرأي حول موضوع الحمله حيث أن الوثائق المهمة للحملة الصحفية لا تترك فرصة للجدل فيها[27]

ويقسم الدكتور فاروق ابو زيد الحملة الصحفية الي نوعين: [28]

1. الحملة الصحفية المخططة: وهي التي يخطط لها جهاز التحرير في الجريدة ويشترك فيها أكبر عدد من كتاب الجريدة ومحرريها وتجهز لها الوثائق والادلة والاقوال والدراسات والبحوث ولا يتم نشرها الا بعد استكمالها من جميع النواحي وتصبح صالحة للنشر.

2. الحملة الصحفية المفاجئة: وهي التي تتم بدون إعداد مسبق بل يفرضها تطور الاحداث في المجتمع، فقد ينشر خبر صغير تمسك الجريدة بأحد خيوطه وتتابعه في مجموعة من الاخبار المتتالية والتقارير الاخبارية حتي ينفجر الموضوع في حملة صحفية تهز المجتمع كله.

ويشبه البعض الحملة الصحفية من حيث المفهوم والوظيفة الاتصالية بالبرامج الوثائقية في الاذاعة والتلفزيون وهي من أفضل وانجح البرامج أو الاشكال الاذاعية التي تجمع بين التحليل والتفسير وشرح المعاني الكامنة وراء الحقائق لتصحيح بعض المفاهيم والآراء حيال بعض الاحداث، والمساهمة كذلك في تغيير بعض المواقف وكمثال لذلك فقد انتجت الاذاعة الامريكية العامة برنامجاً وثائقياً في ثلاثة عشر جزءً عن الحرب الفيتنامية قدم تفسيراً وتحليلاً لحدث هام في التاريخ الامريكي كان من الصعب تغطيته بشكل دقيق أثناء وقوعه. وقد ساهمت عشرات البرامج الوثائقية في بلدان مختلفة في زيادة الوعي العام بأحداث لها أهميتها مثل المخدرات وتلوث الهواء والتربه والماء وغير ذلك[29]

وتقوم الصحف بالحملات الصحفية من أجل قضية ترى أن التفسير والتحليل بشأنها أمر هام وضروري وغالباً ما تبدأ الحملات بخبر يكشف عن مشكلة ما في المجتمع يرى المحررون والمسؤولون ورؤساء التحرير كشف أبعادها وأهميتها. ويعهد بأمر الحملات الي فريق من المندوبين والكتاب. وقد تستعين الصحف في حملاتها بعدد من الخبراء والمتخصصين[30]

4. كتابة الاعمدة والمفسرون:

تستعين الصحف والمجلات بالعديد من الخبراء والمتخصصين في تقديم تحليلات وتفسيرات لبعض القضايا العامة التي تدخل في نطاق تخصصاتهم. وقد تخصص بعض الصحف أعمدة لبعض هؤلاء الخبراء بالاضافة الي كتاب الاعمدة الذين ينتمون لهذه الصحيفة وتشكل المساحات المخصصة لكتاب الاعمدة والمعلقين نسبة كبيرة في الصحف وبدرجة أقل في المجلات وهي مساحة مخصصة للوظيفة التفسيرية والتحليلية. وفي مختلف أنحاء العالم يعتبر أساتذة الجامعات وباحثوا المراكز العلمية المتخصصة والكتاب الصحفيين قوام هذه النوعية من الكتابات الصحفية.

5. الرسائل الي المحرر:

من الظواهر الملموسة في الصحف والمجلات في مختلف أنحاء العالم تزايد الاهتمام بالرسائل التي ترد الي هذه الصحف والمجلات. ومهما يكن دافع الاهتمام بالرسائل التي ترد الي المحرر الا أنها في كثير من الاحيان تنطوي علي مهمة تفسيرية وتحليلية لبعض الاحداث الهامة خاصة عندما تصل هذه الرسائل من شهود عيان أو معارضين لهذه الاحداث.

وتعتبر الرسائل الى المحرر هذه بعض من الاشكال الاخبارية التي تقدم المادة التفسيرية للاحداث الجارية ان لم تكن أهمها. فكل الاشكال الصحفية التحريرية من حديث أو مقابلة وتحقيق ومقال بأنواعه وكاريكاتير وغيرها تنبني اساساً علي خبر وهي توسيع لمفهوم هذا الخبر او ذاك، وبينما أصبح تفسير الاخبار أكثر شيوعاً في الصحف والمجلات ووسائل الاعلام عموماً فإن هذا النوع من التفكير والكتابة أصبح من أهم لوازم الصحافة الحديثة فبالطبع أن قصة عن تعقيدات الشؤون المحلية والعالمية لا يمكن فهمها بدون اللجوء الي التحليل والتفسير، كما أن التغطية الاخبارية الواسعة لنوع خاص من الاخبار كأخبار الجريمة علي سبيل المثال من السهل جداً أن تعطي إنطباعاً مشوهاً عن الوضع الاجتماعي، كما أن الاقتصار على تقديم الارقام الاجمالية للانواع المختلفة من الجرائم المرتكبة في منطقتين أو أكثر يعني عملياً الافتقار عن تقديم القصة الحقيقية. في حين أن التوضيحات المتعلقة بتفسير أساليب خرق القانون في أماكن مختلفة في الوقت ذاته أو في المكان ذاته، في فترات زمنيه مختلفة يمكن إيجادها في العوامل المحتملة التي جمعها المخبر مثل حجم وتعقيد السكان والسياسات التي تتبعها الشرطة وغيرها من الاسباب التي تحتاج الي تفسير وتحليل وشرح[31]

ولا يمكن كذلك ترك هذا العمل خطأ في أيدي كتاب الاعمدة الذين يكتبون لاكثر من صحيفة أو محطة إذاعية. اذن يوسع المخبر الذي يقوم بتفسير الحدث افق الخبر- انه يشرح‘ يوسع‘ يصف، إنه يوضح.. وعلي العكس من الكاتب المثير فإن المخبر الذي يفسر الاخبار يجب ان يكون لديه فهم ناضج وعميق لاهمية ولمسؤولية وظيفته.. إن واحدة من أكثر الواجبات والوظائف أهمية بالنسبة للمخبر الذي يقوم بتفسيرالاخبار هي أن يقوم بتوسيع محيط دائرة الاخبار... أن الوظيفة الخاصة والمتميزة للاخبار، تتمثل في ان يذهب الي ما هو أبعد من النشرات التي توزع مجاناً والي ابعد من البيانات الجاهزة والمعدة للتوزيع علي الصحف، وكذلك الي ما هو ابعد مما يقال في المؤتمرات الصحفية[32]

قد يسأل أين يمكن العثور علي هؤلاء المخبرين القادرين علي تفسير الاخبار إنهم يوجدون وينضجون من خلال التطور والتجربة. أنهم يبرزون من تغطية أخبار المجلس النيابي وأخبار الولاية- تنمو معارفهم وتنضج تجربتهم وتزداد ثقتهم بأنفسهم.

قواعد الصحافة التفسيرية:

ان الوظيفة الاساسية للصحف هي أن تنقل للجنس البشري ما يفعل أعضاؤه، ومايشعرون، ومايفكرون. ولهذا فإن الصحافة تتطلب من ممارسيها أوسع مدي ممكن من الثقافة والذكاء والمعرفة والتجربة، وذلك بالاضافة الي القوي الفطرية والمكتسبة والمدربة على الملاحظة والتفكير والتعليل. كما ترتبط بخاصية الصحافة كمؤرخ، وبشكل عضوى التزاماتها كمعلم وكمفسر وبهدف إيجاد بعض الوسائل لايجاد قواعد سليمة للمارسة وطموحات مبررة للصحافة فقد تم وضع القواعد التالية للصحافة التي تفسر الاحداث:

1. المسؤولية: لا يحد حق الصحيفة في أن تجذب وتكسب القراء اي شئ الا اعتبار رفاهية المجتمع وسعادته. أن الفائدة التي تحققها لاي صحيفة من مشاركة الاهتمام العام هي التي تحدد شعورها بالمسؤولية، ذلك الشعور الذي يجب أن يوجد لدي كل العاملين في الصحيفة. إن الصحفي الذي يستخدم أي غرض أناني أو تافه، هو صحفي لا يستحق الثفة التي وضعت فيه.

2. حرية الصحافة: يجب إعتبار حرية الصحافة حقاً أساسياً وجوهرياً للجنس البشري – أنه حق مؤكد وثابت، وغير خاضع للنقاش .

3. الاستقلال: التحرر من اي إلتزام باستثناء الولاء للمصلحة العامة، مسألة جوهرية وأساسية:

أ‌) إن تقديم أي مصلحة خاصة على المصلحة العامة ولاي سبب من الاسباب ليس أمراً مناسباً ومتوافقاً مع الصحافة الصادقة والنزيهة. كما أن الاخبار التي تم الحصول عليها من مصادر خاصة يجب عدم نشرها دون أن يذكر مصدرها بوضوح، والا يصبح من المتعذر تقديمها كأخبار، سواء من حيث الشكل أو المضمون.

ب‌) إن التحيز في التعليق، الذي يبتعد متعمداً عن الحقيقة يتعارض مع روح الصحافة الامينة. أما التحيز في الاعمدة الاخبارية فإنه ينسف ويدمر المبدأ الاساسي الذي تقوم عليه مهنة الصحافة.

4. الصدق والحقيقة والدقة: الثقة القوية بالقارئ هي الاساس الذي تقوم عليه الصحافة التي تستحق هذا الاسم:

أ‌) إن هذه الثقة القوية هي التي تلزم الصحافة أن تكون صادقة، وسوف لن تسامح الصحيفة علي افتقادها الي جدية المعالجة والي الدقة، اللتين تقفان ضمن مجال امكانياتها، كما أنها لن تسامح عن عجزها عن إمتلاك مثل هذه الخصائص الاساسية وإتقانها.

ب‌) يجب أن تستند العناوين بشكل كامل علي مضمون المواد التي تعلوها هذه العناوين.

5. عدم التحيز: الممارسة السليمة تضع حداً واضحاً وفاصلاً بين نقل الاخبار وبين التعبير عن الرأي. التقارير الاخبارية يجب أن تكون خالية من أي نوع من أنواع الرأي أو التحيز أو المحاباة، وهذه القاعدة لا تنطبق علي مايسمي بالمقالات الخاصة المكرسة للدفاع عن موقف او التي تحمل توقيعاً يتيح لكتابها عرض استنتاجاته وتفسيراته.

6. التوازن: يجب علي الصحيفة الا تنشر تهماً غير رسمية من شأنها أن تؤثر على سمعة شخص ما، وذلك دون أن يعطي المتهم فرصة عرض رأيه. الممارسة الصحفية السليمة تعطي هذه الفرصة للمتهم في جميع الحالات التي تتضمن إتهاماً جدياً خارج الاجراءات القضائية:

أ‌) يجب الا تتنتهك الصحيفة الحقوق أو المشاعر الشخصية بدون تفويض أو مبرر من الحق العام، الذي يتميز عن الفضول العام.

ب‌) إنه لامتياز، تماماً كما أنه واجب أن تقوم الصحيفة بتصحيح كامل الاخطاء الجدية التي اقترفتها، والمتعلقة بالواقعة أو بالرأي مهما كان مصدر هذه الاخطاء.

7. اللباقة والادب والذوق: الصحيفة لا تستطيع أن تهرب من إتهام عدم اللباقة اذا ما قدمت، وهي التي تدعي سعيها لتحقيق أهداف أخلاقية، مواد مثيرة ومحرضة في اساس المعالجة مثل تلك المواد التي نجدها في التفاصيل التي تنشر عن الجرائم. الصحف التي تفعل ذلك ليست صحفاً جيدة.

الصحيفة في المستفبل القريب:

تساءل فرانك كليش في كتابه ثورة الانفوميديا عن "ما الذي يحدث عندما يتم تحويل الصحيفة الي وسائط الكترونية؟" وأجاب بقوله : سوف يكون بوسع الصحيفة أن تكون أكثر عمقاً في تناولها للموضوعات، وسوف يكون من الممكن توزيع المجلات الكترونياً بصفة يومية – وهنا يمكن الحصول علي مقالات منفردة بشكل جزئي[33]

أما عن إنعكاسات الانترنت على محتوي الرسالة الصحفية فيشيراليها الدكتور نبيبل علي بقوله: " ان الانترنت سوف يعمل علي إعادة النظر في فورية الاعلام، ذلك أن الاعلام دائماً ما يزهو بمثالية الاحداث على مدار اللحظة، وقد طغت هذه الفورية على المشهد الاعلامي حتي رسخت وكأنها من الضروريات الاساسية لعملية الاتصال، وذلك على الرغم من أنها – في حقيقة الامر- غير مطلوبة في معظم الاحيان. ولا تخلو هذه الدرجة العالية من "اليقظة الاعلامية" من سوء إستخدام للموارد، سواء بالنسبة للمرسل او الي المستقبل. لقد أظهر الانترنت ضرورة إعادة النظر في تلك الفورية المفرطة. إن على الاعلام التقليدي الا يسئ استخدامه للفورية او يفتعلها ولا ينحاز الي العارض علي حساب الدائم، والا يلهينا بنقل مشاهد الكوارث عن التمعن فيما وراءها من أسباب وما ينم عنها من نتائج)[34]

الهوامش:

[1] ل جون مارتن وانجو جروفر شوردى، نظم الإعلام المقارنة ترجمة على درويش (القاهرة ـ الدار الدولية للنشر والتوزيع، 1999)، ط1، ص 201

[2] جون هوهنبرج، الصحفي المحترف، ، ترجمة محمد كمال عبد الرؤوف (القاهرة ، الدار الدولية للنشر والتوزيع، 1990) ط5 ، الطبعة العربية الأولي، ص 34

[3] جون هوهنبرج، المرجع السابق، ص 538

[4] د. حمدي حسن، الوظيفة الاخبارية لوسائل الاعلام ، دار الفكر العربي (بدون تاريخ) ، ص 71

[5] مبلغن مبنشر، تحرير الاخبار في الصحافة والإذاعة والتلفزيون ، ص 129

[6] البروفيسور كورنيس ماكدوغال، مبادئ تحرير الاخبار، ص 23

[7] جون هوهنبرج، الصحفي المحترف، ص 23

[8] البروفيسور كورنيس ماكدوغال، مبادئ تحرير الاخبار، مرجع سابق ، ص 23

[9] البروفيسور كورنيس ماكدوغال، مبادئ تحرير الاخبار، المرجع السابق، ص 23

[10] جون هوهنبرج، مرجع سابق، ص 539 - 540

[11] ميلفن مينتشر، تحرير الاخبارفي الصحافة والاذاعة والتلفزيون مرجع سابق، ص 129

[12] ديفيد اس برودر، وراء الصحفة الاولى: نظرة صريحة على صناعة الخبر ، ترجمة عبد القادر عثمان ( عمان ، مركز الكتب الأردني ، 1990م ) ، ص 156

[13] البروفيسور كورنيس ماكدوغال، مبادئ تحرير الاخبار، مرجع سابق، ص 26

[14] البروفيسور كورنيس ماكدوغال، المرجع سابق، ص 27-28

[15] البروفيسور كورنيس ماكوغال، المرجع السابق، ص 35-40

[16] محمود علم الدين، و ليلى عبد المجيد، فن التحرير الصحفي : المفاهيم، المتطلبات ، الاشكال، ص 53

[17] ميلفن مينتشر، تحرير الاخبار، مرجع سابق ، ص 129

[18] د. حمدي حسن، الوظيفة الاخبارية لوسائل الاعلام، مرجع سابق، ص 71-72

[19] د. عبد الفتاح عبد النبي، سوسبولوجيا الخبر الصحفي ، دراسة في انتقاء ونشر الأخبار (القاهرة، العربي للنشر والتوزيع، 1989م)، ص 79

[20] د. إحسان عسكر، الخبرومصادره، القاهرة، عالم الكتب، ، ب ث ، ص 58

[21] د. محمود أدهم، الاسس الفنية للتحرير الصحفي العام، ص 346-347

[22] د. محمود أدهم، المرجع السابق ، ص 346

[23] عدنان ابو فخر، فعالية النص الصحفي، دمشق، دار الجليل، 1982، ط، ص 33

[24] د. حمدي حسن، الوظيفة الاخبارية لوسائل الاعلام، مرجع سابق، ص 72-76

[25] جون ماكسوبل هاملتون وآخر، صناعة الخبر فى كواليس الصحف الأمريكية، ترجمة احمد محمود،( القاهرة، دار الشروق، 2000) ط1، ص 28

[26] د.سيد سلامة ، الحملات الصحفية ( القاهرة ، مكتبة الانجلو المصرية ، 1985) ، ص 18

[27] د. محمود علم الدين وأخري، مرجع سابق ، ص 97

[28] د. فاروق ابوزيد، فن الكتابة الصحفية (القاهرة، دار المأمون للطباعة والنشر، 1981)، ط ، ص 105

[29] د. حمدي حسن، الوظيفة الاخبارية لوسائل الاعلام، مرجع سابق، ص 74

[30] د. حمدي حسن، المرجع السابق، ص 75

[31] [31] جون هوهنبرج، الصحفي المحترف، مرجع سابق، ص 542 والبروفيسور كورنيس ماكوغال، مبادئ تحرير الاخبار، ص 32

[32] البروفيسور كورنيس ماكوغال، مبادئ تحرير الاخبار، مرجع سابق، ص 42-43

[33] فرانك كيلش، ثورة الانفوميديا: الوسائط المعلوماتية وكيف تغير عالمنا وحياتك؟ ترجمة حسام الدين زكريا(الكويت،سلسلة عالم المعرفة253، يناير2000)، ص 409

[34] د. نبيل علي، ، الثقافة العربية وعصر المعلومات، رؤية لمستقبل الخطاب الثقافى العربى، سلسلة عالم المعرفة رقم 276،(الكويت،مطابع السياسة، ديسمبر2001) ، ص 592



مجلة علوم انسانية WWW.ULUM.NL السنة الخامسة: العدد 37: ربيع 2008 - 5th Year: Issue 37 spring